كيف صنع العمال حركتهم النقابية؟
عادل ياسين عادل ياسين

كيف صنع العمال حركتهم النقابية؟

مقدمه لابد منها

ثمان وسبعون عاماً انقضت من عمر الحركة النقابية السورية، ولكن لم ينقض معها حرمان وعذابات واستغلال للطبقة العاملة.. ثمان وسبعون عاماً والطبقة العاملة تحلم على الأقل بعدالة ما، تعيد جزءاً مما هو منهوب من قوة عملها. حقوقها تتذرى بسبب الريح العاتية التي تهب عليها بفعل قوى السوق، التي ترى فيها إحدى مصادر تراكم ثرواتها، بينما الطبقة العاملة يزداد فقرها وحرمانها من منتوج عملها الذي صنعته بعرقها ودمها، ليستولي عليه الآخرون.

عادل ياسين

السؤال الأهم الذي لابد من طرحه؛ كي نتعلم نحن العمال من تجربة أجدادنا الأبطال، ونستعيدها بظروفنا الحالية هو: كيف صنعت الطبقة العاملة أدواتها الكفاحية لترد عنها الاستغلال والنهب، وتثبت حقوقها، منذ تكونها الأولي كطبقه مع قدوم الرأسمال الأجنبي المصاحب لقوات الاحتلال الفرنسي لبلادنا؟.

كان السلوك والفعل الاستعماري الفرنسي وما قبله هو: منع العمال من تشكيل أدواتهم الحقيقية «نقابات عمالية مستقله» التي يمكن من خلالها الدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم، التي أقلها؛ أجور عادلة وثمان ساعات عمل. ولكن إرادة الدفاع عن الحقوق جعلت إرادة المحتل تتهاوى، وتصبح جدوى المنع أو التقييد غير ممكنه إلا بحدود ضيقة، لم تؤثر على إرادة العمال في تأسيس نقاباتهم، التي لعبت دوراً مهماً في وقت لاحق بالمعارك الوطنية، التي خاضها الشعب السوري، من أجل الخلاص من الاستعمار وأدواته المختلفة.

ظروف التكون النقابي

سار تأسيس النقابات بمراحل مختلفة لها علاقة ومرتبطة بـ:

تواجد العمال في تجمعات كبيرة نسبياً، وهذا تأمن من خلال الشركات التي استثمرت بالاقتصاد السوري، مثل: السكك الحديدية وشركة الكهرباء والمياه والترامواي والريجي.

الوضع السياسي العام في البلاد، الذي شهد نهوضاً وطنياً في مواجهة المستعمر وأدواته الداخلية.

تكون أحزاب وطنيه تقدمية، مثل الحزب الشيوعي السوري، الذي كان برنامجه في مكونه الأساسي الدفاع عن الطبقة العاملة، بما فيه حقها في تأسيس نقاباتها، والذي ساهم في تأسيس جزء أساسي ومهم منها.

ميزان القوى الدولي، الذي تكون بنشوء الاتحاد السوفيتي، الذي لعب دوراً أساسياً في دعم الطبقة العاملة على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، من خلال دعم النضال العمالي المباشر، ونقل الخبرة والمشورة للحركة النقابية الوليدة عبر الأممية الحمراء، وخاصةً طلائعها الذين تحملوا مسؤولية التأسيس، وما تحمله من مخاطر على هؤلاء القادة من حيث الملاحقة والسجن وقطع الأرزاق.

الضرورة الموضوعية التي دفعت باتجاه توحيد النضال العمالي، عبر توحيد المنظمات النقابية التي نشأت متفرقه.

معوقات توحيد الحركة النقابية

لم تكن عملية توحيد النقابات تمر بسلام وسلاسة، بل واجهتها الكثير من العقبات، أهمها: 

قانون الشغل العثماني، الذي كان يمنع ويجرم تشكيل نقابات مستقلة للعمال، واستمر العمل به لاحقاً مع قدوم الاحتلال الفرنسي. 

بالإضافة للدور الذي لعبته البرجوازية الناشئة في محاولاتها المتكررة الاستيلاء على الحركة الوليدة، من خلال بعض القيادات النقابية التي أعاقت إلى حد ما وحدة النقابات الناشئة في بعض المحافظات السورية الأساسية، كمدينة حلب ودمشق وحمص وحماه. 

وقد لعبت نقابات دمشق لاحقاً الدور الأساسي في توحيد الحركة، من خلال الجهد الكبير الذي بذلته العديد من القيادات النقابية المتسلحة بالموقف الجذري من قضية الدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة، وخاصةً الحقوق الديمقراطية النقابية المتمثلة بحرية العمل النقابي واستقلاليته المطلقة في اتخاذ المواقف الوطنية والطبقية. الأمر الذي وضع الحركة أمام مسؤولياتها التاريخية تجاه المساهمة الفعالة، إلى جانب القوى الوطنية، في النضال من أجل جلاء المستعمر واستقلالية الوطن كاملاً.

محطات مهمة في النضال النقابي والعمالي

أولاً: انعقاد المؤتمر الثاني للنقابات بحضور 36 مندوباً يمثلون 34 نقابة، حيث كانت قرارته الأساسية هي: 

إجبار الحكومة على اعترافها بالتنظيم النقابي وحرية النقابات.

مطالبتها بسن قانون خاص لحماية العمال من استغلال الشركات المستثمرة الأجنبية وتحديد ساعات العمل، وزيادة نسبة الأجور 50%.

تشكيل لجنة لتنظيم العمل، وخاصة للعمال العاطلين.

إيجاد فرص عمل للمتعطلين ومنحهم نصف أجرهم لحين إيجاد العمل الدائم لهم.

الإضراب حق مشروع للعمال والتعهد بعدم قمعه.

إعطاء النقابات استقلالها في حل جميع مشاكلها، بما فيها حرية التعبير والاجتماع والتظاهر.

مساواة الأجور بين العمال الشباب والنساء ومنع تشغيل الأطفال. 

إنشاء مستشفيات مجانية لمداواة المرضى العمال، مع وجود ضمان اجتماعي لهم عند الشيخوخة والعجز عند الإصابة.

إنشاء مدارسر مجانية لأولاد العمال.

ثانياً: المحطة الأخرى التي تبرز دور وأهمية الحركة النقابية السورية؛ دعوتها لحضور الاجتماع التأسيسي لاتحاد النقابات العالمي في باريس، حيث سافر الوفد بشكل سري، ومن خلال تبرعات جُمعت من العمال لتغطية نفقات السفر.

ثالثاً: الضغط على البرلمان السوري من أجل إقرار قانون للعمل، الذي صدر تحت رقم 279 وتضمن العديد من الحقوق العمالية، بالإضافة لحق الإضراب.

هذه بعض المحطات وهناك الكثير غيرها، حيث تعكس المراحل التي مرت بها الحركة النقابية، والتي جوهرها؛ أنها كانت مستقلة عن أي تحكم بقراراتها وإرادتها في الدفاع عن حقوق العمال، وقدرتها المستمدة من استقلاليتها في استخدام حقوقها الأساسية، ومنها الإضراب والتظاهر.