عمال الاتصالات في غياهب التحول الكبير نحو «الخصخصة»!

عمال الاتصالات في غياهب التحول الكبير نحو «الخصخصة»!

في عام 2012 جرى إنشاء الشركة السورية للاتصالات لتحل هذه الشركة محل المؤسسة العامة للاتصالات بكل «ما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وفي اختصاصاتها ومهامها جميعها، باستثناء ما يتعلّق منها بشؤون تنظيم الاتصالات»، حيث جاء قرار الإنشاء ذاك على أساس قانون الاتصالات الجديد رقم 18 لعام 2010.

لتحول الكامل من المؤسسة العامة إلى شركة «مساهمة مغفلة مملوكة للدولة»، أخضع المؤسسة لعملية هيكلة، والتي حدد قانون تأسيس الشركة  في 2012، مدتها بأعوام خمسة بين عامي «2012 – 2017»، ونص في الفقرة «د» من مادته الأولى على أنه ينقل للشركة حكماً «جميع العاملين في المؤسسة العامة للاتصالات، باستثناء العاملين في مجال تنظيم الاتصالات» ومن وقتها بدأت تظهر مشاكل السير تجاه «الخصخصة» المقنعة.

مصير 22 ألف عامل!

كانت أبرز مشاكل ذلك التحول والمتعلقة في الجانب العمالي فقط هي قضيتنا التي سنسلط عليها الضوء في هذه المقالة، وهي المتعلقة بمصير 22 ألف عامل هم عمال المؤسسة العامة للاتصالات، حيث ستكون هذه القضية نموذجاً عن المشاكل الكبرى والخطيرة لعملية التحول تلك، والتي ليست إلا خصخصة تدريجية بشكل أو بآخر، والتي غالباً سيسير على هواها أو بأسوأ منها قانون التشاركية.  

قاسيون التقت رئيس مكتب نقابة عمال الدولة والبلديات قصي كسادو، لنقاش وضع عمال المؤسسة الإشكالي اللاحق، ووفقاً له فإن «عدد عمال المؤسسة البالغين حوالي 22 إلى 23 ألف عامل تسرب منهم خلال الأزمة بسبب الحرب حوالي 4 آلاف عامل»، أي أن من تبقوا في المؤسسة وستشملهم عملية الهيكلة هم حوالي 18 ألف عامل.

الشركة ستأخذ أقل من نصف العمال فقط!

القضية الإشكالية تتجلى في أن الشركة التي تم تأسيسها في 2012 لن تستوعب أكثر من 8500 عامل في نهاية فترة الهيكلة عام 2017، أي أن حوالي 10 آلاف عامل سيبقون في الجسم المتبقي من المؤسسة العامة للاتصالات، وهنا واحدة من نقاط الغرابة. فالقانون قال عن الذين سيُستبقون في المؤسسة أنهم «الاستثناء»، أي يفترض أن يكون عددهم قليلاً جداً، أما القاعدة التي أرساها، فهي نقل عمال المؤسسة جميعهم إلى الشركة الجديدة، ويفترض أن يكون هؤلاء هم الغالبية العظمى وإذ بهم هم الفئة الأقل، فهل هم الفئة الناجية؟! سؤال يصعب الإجابة عنه في ظل التبعات الافتراضية الخطيرة لعملية الهيكلة!

طبعاً سيكون أحد أهم الأسئلة التي لم يجب عليها القانون: ما هي معايير انتقاء العمال المنقولين للشركة أو المُستبقَين في المؤسسة؟ 

في هذا السياق يوضح رئيس مكتب النقابة أن معايير ذلك تقوم على «أسس مثل سنوات الخبرة والشهادة»، إلا أن ذلك قد لا يكون حاسماً على ما يبدو، تحديداً كون الشركة ستعمل وفق منطق القطاع الخاص «العقد شريعة المتعاقدين» فهي شركة خاصة مملوكة للدولة وتعامل معاملة القطاع المشترك، كما أنه من المرجح عدم قبول العمال كبار السن في الشركة، وفق ما أشار له رئيس المكتب.

مبرر عدم أخذ من هم كبارٌ في السن غير واضح، إلا أنه يرتبط غالباً بأمر آخر وهو تسريع الانتهاء من شريحة واسعة من العمال المُستبقَون في المؤسسة العامة للاتصالات، وذلك بغية الزوال بالتقادم بفعل التقاعد لمن سيصنفون أنهم فائضون عن الحاجة، وهو ما تدعمه المعلومة التي أوردها رئيس مكتب النقابة بأن المؤسسة ستغلق باب التوظيف فيها، فأكد أنه «لن يكون هناك فتح باب لأية تعيينات جديدة»، ما يعني تقليص العدد المتبقي تدريجياً إلى حين إنهاء المؤسسة العامة للاتصالات أو تقليص أكبر كم من الـ 10 آلاف عامل المُستبقَون.

محظيون بالحوافز ومجهولو المصير!

مشكلة الحوافز ستكون واحدة من أبرز المشاكل، حيث من المتوقع أن يكون للعمال المنقولين للشركة حصة أعلى في الحوافز كون الشركة سترث الجزء الأكبر من إيرادات المؤسسة العامة السابقة «كانت تقدر بـ 76,9 مليار ليرة في عام2010 حسب تقارير المؤسسة»، لكن حصة العمال المُستبقَون في المؤسسة ستكون غالباً هي المنقوصة. 

قد يرى البعض أن العمال الذين سينقلون إلى الشركة سيكونون من المحظيين، إلا أن ذلك غير دقيق، فهؤلاء العمال سيتم نقلهم على أساس عقود خدمة محدودة المدة، أي من سنة إلى 5 سنوات، قد يتم التمديد لهم أو لا، ما يعني أن مصيرهم سيكون مجهولاً خلال بضعة سنوات، وهم سيخضعون إلى قانون العمل 17 الناظم لعمال القطاع الخاص كون الشركة الجديدة ستكون شركة خاصة مملوكة للدولة، ومن المعروف أن هذا القانون يفقدهم العديد من الميزات التي يتمتع بها القانون الأساسي للعاملين في الدولة، والذي سيظل مطبقاً على العمال المستبقون في المؤسسة.

16% محرومون من الحوافز اليوم.. فمن هم؟!

الحديث عن الحوافز أضاء على نقطة غريبة حول مشكلة حوافز عمال الاتصالات اليوم، فما أوضحه رئيس مكتب النقابة عن نظام الحوافز المتبع حالياً في مؤسسة الاتصالات مثير للغرابة، فهو يشمل 84% من العاملين ويحرم منها 16% منهم، وحتى اللحظة لا يملك أحدٌ تفسيراً لمعايير وضع هذه النسبة أو توضيح من هم هؤلاء الـ 16% من العمال المحرومين من الحوافز، ولماذا؟!   

عمال السورية- الكورية إلى البطالة حتى اللحظة!

تطرق الحديث إلى مصير عمال الشركة السورية – الكورية للاتصالات التي فتحت قاسيون ملفها « في العدد 741 بتاريخ 17/1/2016»، والتي سيتم تصفيتها حتى تاريخ 31/5/2016 بذريعة عدم وجود شريك جديد بعد انسحاب الشريك الكوري، وهو ما يعني تصفية عقود عمالها، فهذه العقود هي عقود محدودة تصفى في نهاية الشركة علماً أنها كانت رابحة دائماً.  أي أن المصير النهائي لعمال الشركة هو «الانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل»، رغم أن رئيس النقابة أوضح أن هنالك وعود من الشركة السورية للاتصالات باستقطاب العمال ذوي الخبرة، ولكنه أردف أنها «مجرد وعود»!

هذا وقد أوضح الحديث أن النقابة طالبت بتحديد لجنة فنية من ممثلين عن الشركة «السورية- الكورية» ذاتها، ممن يعرفون طبيعة عملها جيداً، لدراسة الجدوى الاقتصادية للشركة وإمكانية الاستفادة مما تبقى من بناها التحتية وتجهزياتها، وتحديداً كون جزء هام من التجهيزات وصل للشركة في عام 2011 وهي لم تستخدم بسبب الحرب، وبالتالي هنالك إمكانية كبرى للاستمرار في عمل الشركة أو إيجاد عقود بديلة.

عن الشركة الجديدة...

رأسمال الشركة الوليدة الموروث من المؤسسة قُدر بـ 2,540 مليار ليرة، وستعمل على أساس قانون الشركات رقم 29 لعام 2011، وقانون التجارة رقم 33 لعام 2007، أي أنها ستكون شركة خاصة تملكها الدولة، أتاح القانون تداول أسهمها في حال موافقة مجلس الوزراء وفق المادة 8 الفقرة 11 من القانون والتي نصت أنه: «لا يجوز بيع أسهم الشركة أو تداولها، ولا طرحها على الاكتتاب العام، إلا بموافقة من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح الهيئة العامة غير العادية».