أحقية الربح للدخل الوطني
تم إقرار قانون التشاركية، وعليه، فقد تم تشكيل مجلس التشاركية الذي يضم ثلاثة أعضاء أساسين: رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ومدير التخطيط والتعاون الدولي. ويعتبر هذا المجلس الآمر والناهي بالنسبة للمشاريع المشتركة التي ستعمل وفق قانون التشاركية.
ماذا يستهدف القانون
كثرت التوقعات عند المرحبين المروجين, والمتابعين المشككين, لقانون التشاركية. وبرز حينها السؤال المهم: أي القطاعات الاقتصادية والمنشآت والمعامل التي يستهدفها القانون؟.
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من طرحه بالشكل الصحيح ألا وهو: ما هي القطاعات الاقتصادية التي جعلت الحكومة تستنسخ هذا القانون لأجلها؟ وأين سيحط المستثمر رحاله؟ وأية مشاريع ستطرحها الحكومة على «الشريك الخاص» لصالح الاقتصاد الوطني وعملية الإنتاج؟ كما تدّعي، وأيضا سؤال آخر: عن أية مشاريع يبحث المستثمر الساعي للربح فيطلبها؟ وعن أيها سيغض السمع والبصر والأفئدة؟.
وكذلك الحكومة من جهتها، والمتمثلة بمجلس التشاركية، على أية مشاريع ستوافق، وأيها سترفضها؟ وما هو معيار القبول والرفض عندها؟.
المستثمر الخاص والربح المضمون
للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من تثبيت إحدى النقاط الأساسية، والتي تعتبر بديهية، وهي أن المستثمر صاحب رأس المال ما يهمه حقاً من أية عملية استثمارية هو الربح، ولذلك لن يدخل مشروعاً قبل أن يقوم بدراسة جدواه الاقتصادية، والتحقق من ضمانات الربح الأكيدة، وعليه فإنه لن يشارك القطاع العام إلا بتوفر هذه الشروط، خاصة أن القانون قد ضمنها له بنصه ومواده. فإن كان المشروع المطروح للتشاركية يمتلك عناصر الربح، فلماذا يجلب القطاع العام من يشاركه في الربح، أليس الدخل الوطني أحق بتلك الأرباح؟ أليس العمال الذين يحققون هذه الأرباح هم أحق بجزئهم المستحق منها؟.
الخاص يربح والعام يخسر
يخرج علينا البعض، في محاولة منه لتبرير موافقته على هكذا قانون، بالقول: بأن المقصود من إصدار القانون إنقاذ منشآت القطاع العام المتعثرة والخاسرة، أو التي تضررت وتوقفت بفعل الأعمال العسكرية، ووضعها بين يدي المستثمر الخاص الذي سينفخ الروح فيها، لما يملكه من رؤية اقتصادية خاصة، ولأن الله أنعم عليه بالحنكة الإدارية وبالحس الربحي الفطري، ورفع عنه بلاء البيروقراطية وشر الحقوق العمالية، وتعلّم من خبراته المتراكمة فن التهرب الضريبي والجمركي، وتمتع بعلاقات تجارية إقليمية ودولية تمكنه من انتشال ما تعثر وتخّسر وتفجّر. وهذا اعتراف من صاحب الرأي بأن سوء الإدارة، وماكينة السرقة والفساد، وابتداع الزيادات البيروقراطية، هي قدر مكتوب على القطاع العام لا يمكنه التخلص منها أو الحياد عنها، حتى ولو من أجل الوطن والإنتاج ولقمة المواطنين.
وارتكازاً على فكرة عقلية الربح المضمون عند رأس المال الخاص، فهو لن يستثمر في قطاع متعثر وخاسر، إلا إذا امتلك عناصر ربحية قد أهملها أصحاب القرار عمداً أو سهواً، أو حتى يجد صاحب الضالة ضالته بها.
التشاركية للمشاريع الثقيلة
يعبر مجلس التشاركية صراحة عبر الإعلام عن المشاريع التي يريد للقطاع الخاص الدخول إليها، حيث يتحدث بإسهاب؛ أن الحكومة لا تنتظر من «الشريك الخاص» أن يستثمر في صناعة المحارم والبسكويت، بل عليه الدخول للقطاعات الثقيلة، كإنشاء الطرق والأنفاق والجسور وقطاع النقل بكامله ... الخ، ويتباهى بعدم وجود أي قطاع أو منشأة أو معمل ممنوع عن المستثمر، لا إن كان خدمياً؛ كالماء والكهرباء، أو قطاعاً سيادياً حيوياً؛ كالمرافئ والموانئ والمطارات. والسؤال الذي لا بد من طرحه: ماذا لو أن هذه القطاعات كانت بيد القطاع الخاص خلال الأزمة، فكم سيكون سعر ليتر الماء، أو سعر الكيلو الواط الساعي للكهرباء، وعلى أي بازار كان سيضعنا المتاجرون؟.