الإجازة.. حق ضائعٌ آخر
ما تزال حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها، التي كانت حصيلة عقود طويلة من النضال العمالي، فريسة لكثيرٍ من الممارسات والتشريعات غير المنصفة، والتي تلقي بظلالها القاتمة على حياة العامل وظروفه المعيشية الصعبة. ولا شك أن حرمان العامل من إجازاته السنوية هو واحدٌ من أشكالها.
في القانون
فرغم أن قوانين العمل السورية تنص صراحةً على أن للعامل الحق في الحصول على إجازة تتراوح مدتها ما بين 14 إلى 30 يوماً، تبعاً لعدد سنوات خدمته، فإن آلاف العمال باتوا محرومين من حقهم هذا، ولا سيما في ظل الأزمة، وما قادت إليه من فقدان أو صرف كثير من الأيدي العاملة، لتتحمل البقية الباقية منهم عناء النهوض بأعباء العمل برمته. فمنح إجازة لأي عامل قد يكون معناه توقف خط إنتاجي كامل عن العمل.
ويجيز قانون العمل رقم 17 للعامل تأجيل إجازته المستحقة إلى السنة التالية، أو الحصول على بدل نقدي لها، إلا أن هذا التشريع قلما يطبق في القطاع الخاص.
أشكالٌ أخرى
ولا يتوقف حرمان العامل من إجازاته عند هذا الحد، ولا يظهر دائماً بشكله الصريح، إذ يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، ومنها اعتبار أي تأخير للعامل بسبب ظروف المواصلات، التي لا تخفى على أحد، غياباً يتم تبريره من إجازاتهم السنوية، وهو ما أشار إليه التقرير الصادر عن اتحاد عمال دمشق لعام 2013، والذي أكد أن «العاملين في القطاع العام الصناعي يعانون من عدم الوصول إلى أماكن عملهم نتيجة الأزمة، وبسبب الازدحام الشديد على الحواجز يتأخر البعض منهم، ما يجعل إداراتهم تبرر غيابهم من إجازاتهم السنوية، وفي حال انتهاء هذه الإجازات يتم التبرير عن طريق الإجازات من دون أجر»، وبالتالي تكون خسارة العامل مضاعفة، إذ لا تقتصر على إجازاته، بل على أجره أيضاً.
قرارٌ مجحف
وفي مؤتمر نقابة عمال صناعة الاسمنت والبورسلان والأترنيت بدمشق، والذي عُقد مطلع هذا العام، جاء في تقرير أمانة العمل أن القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بعدم صرف الإجازات للعاملين هو قرار مجحف بحق عمال صناعة الاسمنت، وخصوصاً شركة اسمنت عدرا، إذ تعاني من نقص العمالة، ما يضطر العامل إلى البقاء في الشركة أربعٍ وعشرين ساعة، ويجبر الشركة على عدم الموافقة على منح الإجازات لقلة عدد المشغلين. لذلك طالب التقرير الجهات الوصائية باستثناء عمال الاسمنت من هذا القرار، ومنحهم بدلاً نقدياً عن الإجازات مع العلم - كما يوضح التقرير- أن الاعتماد متوفر لهذه الغاية.
وأوصى التقرير أيضاً بإلغاء القرارات الحكومية التي طالت حقوق العمال جميعها، تحت بند ترشيد الإنفاق الحكومي، فهل يعقل أن الحكومة لم تجد سبلاً أرشد لتخفيض نفقاتها سوى على حساب العمال؟.
المهن الخطرة
وتنص التشريعات العالمية على معاملة المهن الخطرة معاملة خاصة، ويشمل ذلك منح العمال إجازات أطول من أقرانهم، بغية إبعادهم عن مصادر الخطر فترة كافية، تسمح لهم بالمحافظة على صحتهم الجسدية. فمثلاً يعطى العاملون المعرّضون للأشعة، حسب النظام العالمي إجازة مدتها 30 يوماً في السنة، في حين أن كثيراً من العمال السوريين محرومون منها، حيث يكتفون بالإجازات الإدارية السنوية التي نص عليها قانون العاملين، والتي لا تصل إلى 30 يوماً إلا بعد وصول العامل إلى سن الخمسين، أو خدمته لمدة تزيد عن 20 سنة.
وعن إجازة الأمومة
يحدد قانون العاملين الأساسي إجازة الأمومة بـ 120 يوماً للولادة الأولى و90 يوماً للثانية و75 للثالثة، ويؤخذ على هذا التشريع مآخذ عدة، أبرزها: أن أيام الإجازة تختصر إلى النصف في حال توفي المولود بعد أيام من الولادة، ما يعرض الأم إلى مخاطر صحية عديدة، إذا لم تكن مستعدةً بعدُ نفسياً وجسدياً للعودة إلى العمل.
لأنها حق..
ليست الإجازة - أيا كان الدافع إليها - مطلباً كمالياً قابلاً للمساومة، بل هي حق لا ينبغي التنازل عنه، لأن فيها احتراماً لإنسانية العامل وحقه في أخذ قسط من الراحة، يساعده على استعادة توازنه النفسي والجسدي، ويمنحه متنفساً ومتسعاً لقضاء بعض الوقت مع أسرته.