أعمال الخدمة المنزلية... المستور في المنازل خارج القانون
يشكل العمل في الخدمة المنزلية الرقم الأول للفتيات في المناطق الفقيرة، وتنتشر هذه الظاهرة بين الفتيات القاصرات والفتيات التاركات للمدراس، وبنسب مختلفة للفتيات اللاتي تجاوزن سن العشرين وقليل من الأطفال والشباب، ويقف الأهالي في حيرة من أمرهم، خوفاً من الاستغلال والعنف الجنسي المرافقين لهكذا أعمال، والتي تصنف إلى نوعين: الأول هو الإقامة في المنازل، والثاني بنظام اليومية، وتعد الحالة الأولى الأخطر، حيث قلما يوجد فتيات لم يتعرضن للاستغلال نتيجة مغادرتهن لمنازلهن التي يزرنها مرة في الشهر، علما أن الرواتب المقدمة تعتبر ضئيلة جداً، وتمتاز هذه الأعمال بفقدانها كافة أنظمة الحماية الصحية والاجتماعية، وبما أن هذه الأعمال غير منضوية تحت أي تشريع قانوني فلا يوجد عمر معين محدد للعمل، لتغيب معها سبل السلامة ومحاذير الأعمال الشاقة.
مظاهر استغلال الخادمات
إن توفر العاملات الأجنبيات من الدول الفقيرة زاد الطين بلة، وشكل معاناة كبيرة للعاملات السوريات والعاملات الأجنبيات، وتبدأ هذه المعاناة بتدني الرواتب والتعرض للعنف اللفظي وانتهاء بالتعذيب والتحرش الجنسي والإجبار على ممارسة الدعارة، فالخدمة في المنازل هي واحدة من أنماط التشغيل في قطاع الاستغلال غير الخاضع إلى قوانين وبدون توافر فرص الحماية القانونية والتشريعية والاجتماعية، وهذا استغلال كبير حيث المعاملة السيئة وسهولة الطرد والتعرض للاغتصاب والسب والإهانة والإيذاء والابتزاز والقهر.
مفاهيم خاطئة حول هذه المهنة
عندما كانت الحكومة السابقة ماضية في نهجها الليبرالي والفرز الاجتماعي على أشده، نتج عن ذلك طبقتان أساسيتان في المجتمع واضمحلت الثالثة، فالطبقة الفقيرة زادت فقراً واتسعت جغرافياً، والطبقة الغنية زادت غنى وتجمعت بأيدي قلة، ثم ازدياد رقعة البطالة جعل من الناس يبحثون عن أعمال يسدون فيها حاجاتهم ويوفرون حداً أدنى من المعيشة، فجاء تدخل النساء في مساعدة الرجال كحل أسري، وطالما لا توفر الدولة فرص عمل بشكل عادل وصعوبة الترشح من خلال مكاتب العمل لم تجد الكثير من الفتيات إلا العمل في خدمة المنازل التي ينظر لها المجتمع بازدراء، وهذه نظرية انتجتها ثقافة متخلفة لا تمت للواقع بصلة، فالواقع يتصدره الفقر والبطالة، والناس التي تبحث عن ما يسد رمق أطفالها هي ناس غاية في الأخلاق والروعة لا كما ينظر لها اصحاب الأموال على أساس العاملين فيها عبيد لديهم، لذا يجب على الدولة أن ترعى شؤون العاملين في هذه المهنة من خلال تأسيس نقابة تكفل الحقوق، وتدافع عنها كونها من الأعمال الشاقة والمضنية ويتعرض العاملون فيها إلى العنف وأحياناً تصل الوقاحة إلى التحرش الجنسي مستغلين ضعف العاملات وغياب القوانين التي ترعى أعمالاً كهذه.
صور من المشاكل التي تعترض العمل بخدمة المنازل
هنا نطرح أهم المشاكل التي تتعرض لها عاملات المنازل لعلها تجد من الحكومة تشريعاً يحمي حقوقهن كبشر وكمواطنين بالدرجة الأولى في دولة يهمها مواطنوها، وتعلم على إعطاء كل ذي حق حقه، ولأن العمل يتم داخل المنازل، فتبقى الأسرار داخلها، وكأننا في زمن يصح أن يطلق عليه زمن الرق المتطور فمن أهم هذه الانتهاكات العنف اللفظي، والشتم، والتحرش الجنسي الذي يصل إلى القتل أحياناً، وتشغيل القاصرات، والتشغيل غير القانوني، وعدم وجود استراحة أسبوعية للعاملات المقيمات، والأجور المتدنية التي تقتصر أحياناً على الإطعام فقط، والاتهام بالسرقة واستغلال الفقر.
لماذا هذه الانتهاكات
إن غياب التشريعات وضعف تطبيقها، وإغفال قانون العمل رقم /17/ لحماية حقوق العاملات في المنازل، وغياب آليات وشروط السلامة والصحة المهنية، وعدم وجود الضمان الاجتماعي لهذه المهنة، والأهم عدم وجود نقابة تضم بين طياتها هذا النوع من العمالة، كلها أسباب جعلت من هذه المهنة مشاعاً للمستغلين وهدفاً سائغاً.
استطلاع آراء بعض العاملات
وفي جولة لـ«قاسيون» كانت لنا اللقاءات التالية مع بعض العاملات وأغلبهن من اللاتي يعملن باليومية، وفي منازل مختلفة، وكان السؤال حول الأعمال التي يقمن بها، وعن معاملتهن وعن نظرة المجتمع لهن وكانت الإجابات كالتالي:
أم جاسم قالت: إن الأعمال التي أقوم بها متنوعة كالشطف والتعزيل وتوضيب المنازل وتنظيف النوافذ التي أعاني منها كثيراً كونها غالباً في طوابق مرتفعة، وعن المعاملة فمنهم من ينظر إليّ كمحتاجة ومنهم من يستغل هذه النقطة، فلا يوجد أسبوع يمر دون أن أتعرض لإساءة ولو باللفظ، ولكنني مضطرة لبلعها لحاجتي الماسة كوني أم لستة أولاد وجميعهم بالمدارس وراتب زوجي لا يكفي لخمسة أيام من الشهر، وأتحمل نظرة الناس لي كخادمة لهذه الأسباب وشو جابرك عالمر غير الأمر.
ابتسام والدة لأربعة أطفال وزوجها متقاعد تعمل هي وابنتها في هذه المهنة منذ سبع سنوات قالت: كبر أبنائي وثلاثة في المدرسة وأعين زوجي الذي يعمل سائقاً بعد التقاعد على ميكرو وضمان وأتحمل نظرة المجتمع وقلة الحيلة، حيث إني وصلت لصف الحادي عشر، ولم أحصل على وظيفة ولو أذنة مدرسة وأقوم بأعمال تنظيف المنازل وشطف الأدراج، والناس الذين أعمل لديهم غاية في الكرم ويقدرون حاجتي، وأنا محظوظة عندهم، فالكثير من النساء يتعرضن لمعاملة سيئة عند أناس جشعين، وأحمد الله بأني لم أتعرض لإساءة واحدة لأني أعمل عند نفس الناس ولم أغيرهم.
أم لؤي قالت أنا أعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، وعند الطلب، وهذه المهنة كشبح يطاردني كوني أحمل البكالوريا، ولم أجد فرصة عمل وينظر لي المجتمع كوني أعمل بمهن شريفة نظرة استحقار، ماذا أفعل إذا كانت الحاجة أجبرتني على هكذا نوعية من الأعمال وهذه مشكلتهم؟ فهل أسرق أم أعمل بأي عمل يؤمن لي حياة كريمة مع عائلتي التي تكبر احتياجاتها مع الغلاء الفاحش الذي نتعرض له كأسر فقيرة؟!.
عمال خدمة أيضاً خارج الضمان الاجتماعي
إن أعمال خدمة التنظيف لا تقتصر فقط على العاملات في المنازل، وإنما توجد شريحة من الشباب يعملون في شركات تنظيف تقوم باستقطاب الشباب والفتيات للقيام بأعمال التنظيف كمجموعات متعهدة، وتمارس أعمالها في المنازل والفيلات والمشافي، ويغيب عنهم قانون العمل، ولا ينضوون تحت مظلة التأمينات الاجتماعية ويلقون الإهانات من متعهدي أعمالهم الذين يمارسون عليهم أشد الاستغلال والحيل.
توصية لحكومة قد تسمع!
يجب على الحكومة إيجاد جمعيات ترعى أعمال النساء، وتأليف نقابة خاصة بأعمال الخدمة المنزلية لمحاربة انتهاك حقوق العاملات في هذه المهنة، وتوفير الحماية القانونية والاجتماعية لهن، وإعداد برامج توعية لتغيير الأفكار السائدة عن هذه الأعمال، والنضال من أجل القضاء على ظاهرة العنف التي تمارس ضد النساء وتمكين المرأة العاملة بهذه المهنة والأعمال الأخرى الشبيهة بأعمال التنظيف في المشافي الخاصة والشركات ومنشآت القطاع الخاص قانونياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ومدنياً وسياسياً ونفسياً لأنهن جزءٌ من هذا المجتمع ونصفه الذي لا يتجزأ.