استيفاء الحق بالذات

ورد في الفصل الثالث من الباب الرابع لقانون العقوبات السوري رقم (148) لسنة 1949 والمعمول به حاليا نصوص قانونية متعلقة بالجرائم المخلة بالإدارة القضائية ونخص بالتحديد هنا المواد 419 – 420 – 421 ومن المفيد بمكان عرض ما نصت عليه المواد السابقة الذكر:

المادة 419:

 من أقدم استيفاء لحقه بالذات وهو قادر على مراجعة السلطة ذات الصلاحية بالحال على نزع مال في حيازة الغير أو استعمال العنف بالأشياء فاضر بها عوقب بغرامة لا تتجاوز المئة ليرة.

المادة 420:

1) إذا اقترف الفعل المذكور في المادة السابقة بواسطة العنف على الأشخاص أو باللجوء إلى إكراه معنوي عوقب الفاعل بالحبس ستة أشهر على الأكثر فضلاً عن الغرامة المحددة أعلاه.

2) وتكون عقوبته الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا استعمل العنف أو الإكراه شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو كانوا غير مسلحين

المدة 421:

تتوقف الملاحقة على شكوى الفريق المتضرر إذا لم تقترن الجنحة المذكورة بجريمة أخرى تجوز ملاحقتها بلا شكوى.

بعد هذا السرد لمواد قانون العقوبات وانطلاقا من الواقع الذي نمر به ونعيشه نلاحظ أن كثيراً من الأشخاص اختاروا اللجوء إلى استيفاء حقهم بالذات وبمختلف الوسائل المتاحة حاليا مستفيدين من غياب سلطة الدولة والقانون في بعض المناطق. والبعض من هؤلاء سواء من له تجربة إقامة الدعاوى أمام القضاء أو لم يكن لديه هذه التجربة يعرف تمام المعرفة بأن رحلة المطالبة بالحق أمام القضاء تكون طويلة جداً لدرجة أن المدعي (صاحب الحق المفترض) يبدأ بالبحث عن طرق تسوية معينة مع الخصم لينهي النزاع ولو على حساب جزء هام من الحق المطالب به أمام القضاء.

لنذهب أكثر إلى الناحية العملية من خلال المثال التالي:

إذا أقدم شخص (م) المسجل ملكيته لعقار ما في الدوائر العقارية على انتزاع حيازة هذا العقار من (ع) وهو الشخص الذي يضع يده على العقار، عنوة ودون رضا (ع) فإن فعل (م) يشكل جرم استيفاء الحق بالذات المنصوص عنه في المدة (420) عقوبات سوري ولاسيما أنه كان بإمكان (م) أن يراجع القضاء للوصول إلى حقه باستلام العقار المسجل باسمه حيث أن النية الجرمية متوفرة وفق نص المادة (420).

وهنا ينظر البعض إلى اعتبار فعل « م « وهو المالك قيدا للعقار في السجل العقاري بأنه تصرف صحيح طالما وصل إلى الغاية والهدف وبغض النظر عن الطريقة والوسيلة حيث تمكن من استرجاع العقار الذي يملكه بموجب قيد عقاري ثابت و هو حجة رسمية غير قابلة لإثبات العكس إلا بالتزوير.

إلا أنه ووفقا لقانون العقوبات يصبح عندها (م) مدعى عليه ويصبح (ع) مدعياً. ليس لمناقشة وإثبات صحة الملكية أو عدم صحتها إنما لإعمال نصوص قانون العقوبات على الطريقة والوسيلة التي وصل (م) المدعى عليه إلى استلام العقار المسجل باسمه لدى السجل العقاري.

قد يعمد البعض إلى تحصيل ما يرونه أنه حق لهم بطرق بعيدة عن القانون وليس فيها أي منطق قانوني فيأخذون دور صاحب الحق والقاضي بآن معًا ويصدرون أحكامهم الخاصة بما يناسب رؤيتهم للحق المفترض وبالتالي يبتعدون عن الحياد فينحازون لأنفسهم.

وهذا إما نابع من جهلهم بالقانون أو عدم ثقتهم به أو عدم ثقتهم بالقائمين على تنفيذ أحكام القانون ومن حيث النتيجة عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة التي يعيشون فيها، و بناءً على ذلك فإن احترام القانون من المواطنين في أغلب الأحيان يأتي بالتبعية لاحترام القائمين على تنفيذ القانون للقانون نفسه.

ويعتبر هذا أحد أهم أوجه الشعور بالمواطنة والانتماء للدولة وهو (احترام القانون).