المؤتمرات تبحث عن وظيفتها
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

المؤتمرات تبحث عن وظيفتها

رغم أهمية صناديق المساعدة الاجتماعية، والخدمات الصحية، وتلك الميزات جميعها التي تقدمها النقابات للعمال المنتسبين لها، إلا أن دور النقابات لا يجب أن يقتصر على ذلك فحسب، بل للنقابات دور أساسي وجوهري أكبر من ذلك كله، دور وطني، وسياسي، واقتصادي اجتماعي، وطبقي و لابد من ممارسته باستقلالية عالية وحرية كاملة.  

تحددت مواعيد انعقاد المؤتمرات النقابية للسنة الثانية من الدورة السادسة والعشرين للمنظمة، وفي فترة أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها من أسوأ المراحل التي مرت بها الطبقة العاملة، التي انتقلت من حالة تدهور فاضح لأوضاعها على الصعد كافة، لتدهور آخر أكثر بشاعة، كيف لا؟ والطبقة العاملة بأسرها تدفع ثمن تطبيق سياسات اقتصادية ليبرالية مباشرة لعشر سنوات متتالية، خمسٌ منها خلال الأزمة الوطنية الكارثية، التي تفجرت بشكل أساسي بفعل هذه السياسات، واستمرت بسببها واستطاعت لحد الآن إعاقة حلولها.
لم تشهد الحركة النقابية تراجعاً في دورها، وهشاشة في بنيتها، كما حدث في العقد الأخير، ولم تستطع أن توقف الهجوم المتلاحق على مكتسباتها، والحفاظ على حقوقها، ولم تعد أدواتها التي طالما استخدمتها في فرض وزنها الطبقي الحقيقي، فاعلة وقوية، مما جعلها تخسر معاركها المتلاحقة الواحدة تلو الأخرى، وأهم تلك المعارك نمط توزيع الثروة (الدخل الوطني) التي تضاءلت حصة الأجور منها إلى نسب كبيرة، لدرجة أدت لهبوط الحال المعيشي لسائر الطبقة العاملة لحدود الفقر المدقع، حسب أرقام مراكز الإحصاء المحلية والخارجية جميعها.
المؤتمرات لتصنع القرار لا لتشتكي
تعتبر المؤتمرات النقابية ذات أهمية بالغة بالنسبة للتنظيم النقابي، كونها المحطة السنوية الرئيسية، التي تجمع اللجان النقابية المنتشرة في المعامل، والمنشآت، والمديريات جميعها، ضمن اجتماع شامل، والذي من خلاله سيطرح النقابيون رؤاهم في الجوانب كافة، بحكم اطلاعهم الدائم على واقع الإنتاج من جهة، وواقع العمال من جهة أخرى، بما في ذلك مساهمتهم الواسعة برسم برامج المنظمة وخططها في الجوانب كافة، إذا ما أتيح لها إمكانية ذلك، وهي التي صيغت في قانون التنظيم النقابي (84) وتضمنه لمبدأ الديمقراطية المركزية، والتي تعني ضمناً- أوسع مشاركة ديمقراطية في القرار- وعلى هذا فإن نتائج المؤتمرات على مستوى البلاد جميعها يجب أن تكون المنطلق الأساسي في تحديد التوجه العام للتنظيم، وبوصلته الحقيقية في صياغة المواقف الوطنية والسياسية والطبقية والاقتصادية الاجتماعية، لا أن تتحول المؤتمرات النقابية لمحطة شكاوى، ونافذة للمطالب الخدمية الخاصة، فعلى الرغم من أهمية مطلب الوجبة الغذائية للعمال المنتجين، يفقد هكذا طلب أهميته أمام سياسة الحكومة فيما سمي باطلاً -عقلنة الدعم- الذي حرم الأسر العمالية من المواد التموينية المدعومة والمحروقات أيضا، ولا معنى كبيراً لمطلب صحي أو خدمي والحكومة الموقرة ترفع أسعار الدواء، ويصبح طلب حوافز الإنتاج وطبيعة العمل أقل أهمية في ظل سياسة قضم الأجور ورفع الأسعار، وليست المطالب الخجولة هنا وهناك يمكن أن تكون بديلاً عن نضال منظم وواسع والطرق القانونية والدستورية كلها يمنع تنفيذ  قانون التشاركية -الوجه الناعم للخصخصة- بعد أن مر بسلام من تحت قبة السلطة التشريعية، أو عن قانون ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية، التي يجري التسويق له تمهيدا لمروره وتنفيذه، فهذه القوانين التي تعبر عن مصالح قوى معينة، ستهدد الحركة النقابية بأسرها وتضرب بنيتها وتسلبها حقوقها، وحين ذلك لن يبقى للشكوى الروتينية المعتادة أي ضرورة تذكر.
مالعمل؟
وأسئلة برسم المؤتمرات
لا بد أن تحمل المؤتمرات القادمة في طياتها أجوبة واضحة للأسئلة الأساسية التي يطرحها العمال في معاملهم ودوائرهم وأحيائهم وفي أماكن نزوحهم، لا بد أن تكون الأجوبة على قدر معاناتهم الكارثية، وعلى قدر تضحياتهم الجمة، على قدر صمودهم الوطني وبذلهم وعطائهم وكرامتهم وطهارة عَرَقِهم، يجب أن تجيب المؤتمرات عن سؤالهم الأساسي ألا وهو ما العمل؟ ما العمل الذي تنوي الحركة النقابية عمله في مواجهة سياسات الحكومة التي أفقرت العمال وما زالت تتمادى في إفقارها لهم؟ ماذا عن المسرحين والمتعطلين؟ ماذا عن الفساد وما هي أدوات الحركة النقابية في صده ومنعه وهزيمته؟ ماذا عن الدعم الحكومي الذي سُلب من جيوبهم الفقيرة؟ ماذا عن رغيف خبزهم الذي أصبح بسبع ليرات؟ وعن حليب أطفالهم الذي أصبح بالآلاف؟ وعن أيامهم الباردة التي يقضونها دون مازوت أو غاز؟ وبساعات شحيحة من كهرباء مقننة؟ وعن تلك الأجور المخجلة التي لا تكفي لأجرة بيت في عشوائيات المدن؟ وعن مجمل تلك السياسات المعادية لمصالحهم؟ ماذا عن المادة 137 في القانون الأساسي للعاملين في الدولة؟ وعن القانون رقم 17 للقطاع الخاص؟ ماذا عن القطاع الزراعي والصناعي الوطني؟ وكيف سنتصدى لدولار يطير وليرة تحتضر؟ والأهم من ذلك: ما هي أدوات الدفاع الضرورية للحركة النقابية كي تصبح قادرة على خوض معاركها الحالية واللاحقة جميعها وخاصة مع اقتراب الحل السياسي المنشود والذي سيفتح جملة من المعارك في  القضايا جميعها والتي تتطلب وزناً نوعياً كبيراً لا يمكن تأمينه إلا من خلال وحدة الحركة النقابية واستقلاليتها واستعادة دورها الوظيفي الطبيعي والحقيقي.؟