فهر حسين فهر حسين

أصحاب الدخل المحدود 

كانت الأجور أول من انهار بفعل الأزمة، فيتدهور الاقتصاد بفعل السياسات الليبرالية سابقاً والأزمة وما أفرزته من دمار، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل متسارع، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على المواطنين الذين في غالبيتهم من أصحاب «الدخل المحدود»، حيث انحدرت الأجور إلى مستويات كسرت خط الفقر.

فما يتقاضاه «الموظف المعتر» بات عاجزاً اليوم عن تأمين متطلبات أسرته، وهو ما دفع العديدون منهم لتقديم استقالاتهم والفرار بأسرهم إلى دول اللجوء سعياً وراء أحلام اضطرهم إليها شظف العيش، وهي قضية طرحت نفسها بحدة لما ترتديه من أهمية وشقت طريقها في الشارع السوري، فصارت الحديث الشاغل وقد ضاقت السبل بالمواطن، كيف له أن يسد الهوة الكبيرة بين ما يتقاضاه من أجر وما تتطلبه الحياة اليومية، فصار مضطراً للاستدانة فوق راتبه راتباً آخر بشرطين نظاميين هما التقشف الشديد وتأمين الضرورات بحدها الأدنى حسب تعداد أفراد أسرته.

أما الحكومة في المقابل فقد عملت بسياساتها وقراراتها على زيادة الواقع سوءً دون الالتفات لهذه المعاناة، بدل أن تتحمل مسؤولياتها من خلال تحديد الحد الأدنى للمعيشة الفعلية وربطه بالأسعار دورياً كل ثلاثة أشهر كمعيار وسطي، وتمويل هذه الزيادات في الأجور من خلال سياسة ضريبية تحملها على عاتق «الناهبين» الكبار.

إن الحديث عن سياسة أجرية عادلة تلبي مصالح أصحاب الدخل المحدود لن تعمل على الحد من تردي المعيشة لموظفي الدولة، وبالتالي تدني الإنتاج لتدني الاستهلاك - باعتبارهم المنتج والمستهلك في آن معاً - ولتأمين إنتاجهم على المستوى المطلوب، يجب ألا يكون استهلاكهم أدنى من هذا الحد المطلوب وهو الحد الأدنى للمعيشة في ظروفنا الملموسة فقط، بل ستسهم أيضاً بإيقاف النزيف الحاصل في المؤسسات جراء التسرب المستمر للكوادر والكفاءات ويضعف جهاز الدولة، ويؤدي إلى تراجعه أمام تعاظم القطاع الخاص بفعل السياسات الليبرالية، وهو ما يطرح بدائل ملحة من خلال تحسين الوضع المعاشي لأصحاب الدخل المحدود، ويسهم في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

 

إن أيّة زيادة في الأجور والرواتب يجب ألا تعتمد على زيادات في الأسعار لأن هذه الزيادات تنقل أصحاب الدخل المحدود من «تحت الدلف لتحت المزراب» وتزيد من وطأة هذا الواقع، ولذلك يجب إعادة النظر بالعديد من الأمور إعادة النظر بالقرارات المتخذة خلال الأزمة، والتراجع عن السياسات الليبرالية، دراسة الواقع في ضوء الأزمة لسن القرارات التي تحمي أصحاب المعاشات، بما يتوازن مع المستويات الجديدة للأسعار، واستمرار هذه السياسة مع كل تطور فيها، وهي ضرورة وطنية تمليها مسألة إنصاف المواطن السوري، الذي تحمل الكثير من النتائج السلبية التي أفرزتها الأزمة.