صناعة الحلويات عمالة أطـفال وأخرى مهاجرة
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

صناعة الحلويات عمالة أطـفال وأخرى مهاجرة

يستحق عمال صناعة الحلويات إلقاء الضوء على واقعهم السيئ من كل النواحي، خاصة من ناحية النسبة الكبيرة للأطفال العاملين بهذه الصناعة, بالإضافة لشروط وظروف العمل القاسية, و تلك الأجور المنخفضة التي لا تكفي لأدنى متطلبات العيش الكريم.

 القطاع العام أهم الغائبين  

 يمكن وصف صناعة الحلويات المحلية بالصناعة التقليدية و التاريخية، بحكم ميزاتها الخاصة، فالحلويات الشرقية المنتجة محلياً لها شهرة واسعة ومهمة، ليس على صعيد دول الجوار والإقليم، بل على الصعيد العالمي أيضاً، ومثالاً على ذلك البقلاوة والشعيبيات بالفستق وغيرها من الأصناف، التي تعج بها الأسواق المحلية،  ناهيك عن حركة التصدير لهذه المنتجات، المطلوبة خارجياً لعوامل عديدة؛ أهمها تفرد الصناعة السورية بصناعة أصناف محددة لا تصنع الا سورياً، و مرد ذلك  للخبرات المتراكمة لدى الصناعيين ومن ورائهم الأيدي العاملة الخبيرة، التي امتهنت هذه الصناعة وحافظت عليها، كونها تعتبر صناعة مستقرة بنسبة كبيرة تؤمن استمرارية العمل و دوام الأجر.

و من المعروف بأن القطاع العام ليس له  أي حصة في هذه الصناعة الهامة، في حين يتفرد القطاع الخاص غير المنظم بها، وتتوزع منشآته على أطراف الأسواق التجارية الكبرى والفرعية وأسواق الأحياء، كون هذه المعامل تدفع بمنتجاتها للمحلات التجارية من أجل عرضها وبيعها.

ففي دمشق مثلاً وإذا ما أردنا تحديد أحد الأسواق كسوق الميدان (الجزماتية)، وهو الأشهر من بين الأسواق الدمشقية التي تبيع الحلويات الشرقية، والذي يحوي عشرات المحلات المتخصصة، فمعامل هذه المحلات وغيرها، متواجدة في البيوت العربية القديمة، الموجودة على جانبي السوق وفي بعض الأقبية ضمن الأبنية الطابقية هناك، وكذلك سوق المرجة وباب الجابية وساروجة وغيرها من الأسواق.

 أمراض مهنية وأجور رمزية

واقع عمال هذه الصناعة متعدد الهموم والمصاعب، فهم كما ذكرنا يعدون من شريحة عمال القطاع الخاص غير المنظم، والذين يُمارس بحقهم أقسى أنواع الاستغلال، كغيرهم من عمال هذه الشريحة الأوسع، فلا قانون عمل ينظم علاقتهم بأرباب العمل، بل يخضعون لقانون السوق، المبني على مبدأ العرض والطلب، والمتحكم به من قبل أرباب العمل أنفسهم، ولا تأمين اجتماعي أو صحي، ولا حتى تنظيم نقابي يحميهم وينظم مطالبهم وحقوقهم، كي يستطيعوا الدفاع عن مصالحهم.

وليس من الصعوبة أن ندرك حجم عمالة الأطفال الموجودة في هذه الصناعة، التي تتجاوز نسبتها النصف وتزيد، فاعتماد أرباب العمل على الأطفال لزيادة أرباحهم على حساب أجورهم المتدنية، مقارنة بزملائهم الكبار، مستغلين سعي أهالي الأطفال لتعليم أطفالهم مهنة تدر أجوراً لا بأس بها، كما يتواجد العنصر الأنثوي بالمعامل بكثرة، كون العاملات أقل أجراً من العمال الذكور، وعليه فإن جميع الفئات العاملة يتشاركون بظروف وشروط عمل رديئة، فهم يتعرضون لمختلف أنواع الروائح المؤذية، كرائحة الزيوت والسمون، ويتعرضون لحرارة الأفران العالية، مع انعدام أنظمة التهوية لمكان العمل، غير المخصص للعمل أصلاً، ويعملون لعشرة ساعات متواصلة كحد أدنى، فيما تذهب بعض المعامل لأكثر من ذلك، وكل هذه المعامل تعمل ليلاً ونهاراً، ضمن ورديات متواصلة، ولا يتجاوز أجر ساعة العمل 160 ليرة سورية، ولا يحظى العامل بأجر مضاعف عن العمل الإضافي، بل يعوضه رب العمل بجزء منه كمكافأة رمزية، وخاصة في مواسم الأعياد، التي يرتفع بها الطلب على الحلويات، فيواصل العمال ليلهم بنهارهم مقابل ليرات إضافية، لا تساوي جهدهم المبذول، رغم أن أرباح هذه الصناعة عالية جداً.

سياسات حكومية تطفش العمال

لا يمكن الاستهانة بأعداد العمال المنضوين تحت هذه المهنة، ولا يمكن إغفال مجمل الظروف القاسية التي يعيشونها، وخاصة خلال هذه الأزمة التي أثقلت عليهم وعلى سائر العمال، ولا يمكن كذلك إغفال أهمية الحفاظ عليهم كخبرات محلية، ولا يوجد إحصاء دقيق لأعداد عمال الحلويات الذين غادروا البلاد منذ بدء الأزمة، ولكن يمكن تقصي هذه الظاهرة من خلال الأعداد الكبيرة لمحلات الحلويات التي بدأت تنتشر في دول الجوار، والمتخصصة بالحلويات السورية، وأكبر مثال على ذلك تلك المحلات التي انتشرت في أسواق لبنان ومصر ودول الخليج، لأصحاب عمل سوريين أو أجانب، مما سيجعلنا نفقد شيئين أساسيين: ميزة التصنيع المحلي والتصدير بالقطع الأجنبي من جهة, ونزيف الأيدي العاملة الوطنية والخبيرة من جهة أخرى، وكان لزاماً على الحكومة القيام بواجبها، من خلال المبادرة بإجراءات كفيلة تدعم بها الطبقة العاملة، وتساعدها على صمودها المعيشي، بدل أن تترك لرؤوس الأموال المحلية المهاجرة أو الأجنبية عملية استقطاب منظم لهؤلاء العمال، المهددين بفقدان لقمة عيش أطفالهم، و الذين ما كانوا ليسافروا لو أن الحكومة عززت صمودهم المعيشي وغيرت سياساتها الاقتصادية، التي ورثتها عن سابقاتها من الحكومات، واستمرت بها، بل ذهبت لأبعد من ذلك، بدفعها المستمر لعمال الوطن لهاوية الفقر المدقع، تلك السياسات الاقتصادية الليبرالية التي أنهكت القوى العاملة، وأفقرتها بعملية رفع الدعم عن المواد الأساسية، والسياسة المالية المشبوهة، وترك أيدي الفساد طليقة دون حسيب أو رقيب.