ورش مواد التنظيف
فهر الحسين فهر الحسين

ورش مواد التنظيف

بعد صدور قانون الاستثمار رقم 10، توسعت صناعات القطاع الخاص، وأضحت الكثير من الصناعات وخاصة الصناعات الكيميائية، مثل صناعة المبيدات والمنظفات والأصبغة، منتشرة في أطراف المدن، والتي قام جلها بطرق مخالفة للسلامة المهنية والشروط الصحية، لقيام منشآت لهكذا نوع من الصناعة، لغياب الرقابة المباشرة على تلك المشاريع الصغيرة.

خلال الأزمة ونتيجة لغلاء أسعار مواد المنظفات المنزلية، اتجه أصحاب الدخل المحدود إلى شراء مواد تنظيف غير مضمونة، وتصنع غالباً إما في المنازل، أو في ورش صغيرة غير مجهزة بأي وسيلة من وسائل السلامة المهنية، وسلامة المواد الأولية.

 حيث تتم في  هذه الورش عملية صناعة مواد التنظيف بطريقة يدوية في جميع مراحلها، ابتداءً من خلط المواد الأولية ومزجها وتصفيتها، إلى أن يعبأ المنتج النهائي بزجاجات المشروبات الغازية الفارغة، كما أن هذه المواد التي تصنع بها المنظفات يتم استيرادها بشكلها الأولي، مما يزيد خطورتها على العمال، وما يزيد الأمر سوءاً أن  غالبية  العاملين في هذه الورش هم من الفتيات والشباب، الذين لا تتجاوزأعمارهم 22 عاماً، وربما تجاوز الأمر في هذه الورش إلى استقدام ذوي العاهات، ممن منعهم وضعهم من العمل في قطاعات أخرى، ما أجبرهم على القبول بالعمل بهذه  الظروف السيئة والبشعة أحياناً لتأمين قوت يومهم، أي أنهم ليسوا أصحاب خبرة كافية للتعامل مع المواد الكيماوية الخطيرة.

أضف إلى ذلك الوضع غير الصحي في هذه الورش من حيث عدم تجهيزها بوسائل السلامة المهنية، هذا الأمر الذي يعرض العامل بشكل مباشر للإصابة بالعديد من الأمراض الجلدية، نتيجة لتعاملهم مع مواد كيميائية شديدة السمية،  كـ  (الأكزيما، أو الحروق الجلدية)، وهي حروق تصل إلى الدرجة الرابعة، ناهيك عن ارتفاع نسبة الرصاص في الدم، بالإضافة لاستنشاقهم روائح هذه المواد لساعات طويلة، ما يؤثر سلباً على المجاري التنفسية لديهم.

مع كل هذه المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء العمال، لا يتحمل صاحب الورشة أدنى مسؤولية إن حصل وأصاب العامل أي مرض، «فهؤلاء العمال بحسب رأيه عملوا لديه طوعاً»، وهذا الأمر قد يؤدي إلى طرد العامل خارج الورشة بدون أي  تعويض أو علاج، إن لم يتم تغريمه من قبل صاحب العمل بسبب هذا الخطأ، ليدفع الثمن مرتين، بعد أن زاد عجزه بأمراض أو إصابات خطيرة، وربما مميتة، وهو عاجز عن سداد تكاليف علاجها، ومما يزيد الطين بلة، الأجر المنخفض الذي يتقاضاه العمال في هذه الورش، حيث تتراوح أجورهم الأسبوعية ما بين 1500 ـ 2000 ل.س.

محمد خريج فرع كيمياء قال:

 «قبل الأزمة عملت في أحد المصابغ النصف الكترونية، فكان عملي هو مراقبة تفاعل المواد ووضع معادلاتها، في حين يقوم العمال بمزجها في المرحلة الأولى، ما يعرضهم للعديد من الغازات والأبخرة السامة الناجمة عن هذه التفاعلات، وليقوموا بنقلها فيما بعد إلى حاويات كبيرة، حيث تمر عليها المواد المراد صباغتها بها، وبعد خروجها في مرحلة لاحقة بوضع مواد مثبتة لهذه الألوان والأصبغة، في جميع هذه المراحل لايوجد شيء يقي هذا العامل من الاحتكاك المباشر، ويضيف «بعد الأزمة وتوقف العديد من المصانع عن العمل ونهب غيرها، عادت هذه المصانع البدائية للعمل، وأمام الظرف الاقتصادي السيئ للعديد من الأسر، باتوا مضطرين للعمل في هذه الأعمال الخطرة، فلم تعد حكراً على الرجال فدخلت النساء إليه أيضاً بوصفهن عمالة أرخص من الرجال، واليافعين».

أمر واقع هل يتابع؟

اتخذت هذه الصناعة مكانها وسط الفوضى التي تمر بها البلاد جراء الحرب، فهذا النوع من الصناعات ليس وحيداً في خطورته على العمال، فقد انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من«الصناعات البدائية»، نتيجة التسيب وعدم المراقبة، وإغلاق وتدمير المصانع الكبرى في المناطق الساخنة، كما دفعت البطالة بالكثير من المتعطلين عن العمل، تحت ثقل الفقر، للعمل بأعمال كهذه.

إن نقابات العمال والحكومة، مدعوون إلى متابعة هكذا منشآت وأعمال، وتأمين وسائل السلامة المهنية في هذه الورش، كما هم مطالبون بإلزام أصحاب هذه الورش بتسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، ورفع أجورهم بما يتناسب مع الحد الأدنى للأجور، وبما يتناسب مع مخاطر مهن كهذه.