منامة العمال تضاعف الاستغلال
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

منامة العمال تضاعف الاستغلال

يلجأ الكثير من عمال القطاع الخاص للنوم في أماكن عملهم، راضخين لظروف فرضتها الأحوال التي طرأت مع بداية الازمة، واستمرارها، وتطورها اللاحق، مما جعلهم يغيبون عن أسرهم طوال الأسبوع وكأنهم مسافرون.

ازدادت في السنين الأخيرة ظاهرة نوم العمال في أماكن عملهم، سواء أنهوا ساعات عملهم أم لا، وتعددت أسباب ازدياد هذا الأمر، وعلى رأس هذه الاسباب رغبة العمال أنفسهم في زيادة ساعات العمل لأقصى حد ممكن، كي يستطيعوا زيادة أجرهم الممسوخ والذي هو أساسا ملكيتهم الوحيدة، وهو أداتهم الوحيدة لحفظ عائلاتهم من العوز، فعدد ساعات العمل السابقة لم يعد كافياً سوى لتأمين أجرة مسكن رطب في عشوائيات المدن وضواحيها، مما أجبر هؤلاء العمال على العمل لساعات إضافية تسعد رب العمل وتحقق له المزيد من الأرباح «المدولرة» وليصل عدد ساعات العمل أحيانا لثماني عشرة ساعة يومياً، مما يرهق العامل ويستنزف قواه، ويعزله عن حياته الأسرية والاجتماعية، وليقض ما تبقى له من ساعات نائماً على فراش من أكداس إنتاجه، أو تحت طاولة عمله، محاطاً بضجيج الآلات وأصوات زملائه من عمال الليل.


صعوبة التنقل وارتفاع تكاليفه

إن صعوبة التنقل بين أماكن إقامة العمال، وأماكن عملهم، هي سبب آخر لنوم العمال في أماكن عملهم، وخاصة أولئك العمال الذين يسكنون في الريف، مثل: سكان «برزة وعش الوروار وضاحية حرستا»، أو أقرانهم الساكنين في «شبعا والغزلانية» وغيرها من الأماكن، فالحواجز كثيرة ومملة ومزاجية، والمسافة بعيدة نسبياً، ناهيك عن أجور النقل التي لا ترحم ومن المهم جداً بالنسبة للعامل توفيرها، وقد تنعكس الآية حيث أن العمال الساكنين في دمشق وعملهم في مدينة عدرا أو السوق الحرة في المطار أو الكسوة وغيرها، فهم أيضاً يهربون من صعوبة التنقل وغلائه، في النوم بأماكن عملهم.
منذ ازدياد ساعات التقنين الكهربائي وعدم انتظام برنامجه والعمال في القطاع الخاص وخاصة العاملين في الورشات والمشاغل الصغيرة، يعسكرون في مشاغلهم على مدار الأربع والعشرين ساعة فشأنهم شأن آلاتهم ومكناتهم يرتاحون مع انقطاع التيار ويستنفرون مع توفره وكأنهم في نوبات حراسة لا تنتهي، فأجرهم مرتبط بساعات التشغيل وكمية الإنتاج لا بشيء آخر وبالتالي فنومهم في مكان عملهم فرض عليهم وكما يفرض عليهم كل شيء.


مطلوب عمال مقيمين

يبادر بعض أرباب العمل لتقديم عروض الإقامة للعمال من أجل تشغيلهم، ويتسابقون بتقديم هذه العروض لهم، كون هذا النوع من العمالة مطلوباً بين أوساط أرباب العمل، فأرباب العمل يسعون وراء مصالحهم وزيادة أرباحهم ولا شيء سواها، وهم بضمهم للعمال المحتاجين للإقامة يستغلون هذه الحاجة أعظم استغلال، فأجور هؤلاء العمال أقل من غيرهم، لأنه بوجهة نظر رب العمل النرجسية قد قدم لهم المنامة المجانية كما يدعي، وهو بذلك يستولي منهم على ساعات عمل إضافية لا تندرج تحت بند ساعات العمل الإضافية، من حيث أجرها المضاعف كما أنه يضمن وجودهم اليومي، وبقائهم تحت الطلب، ويسعى بشكل دائم لاستغلالهم بأعمال أخرى خارج اختصاصهم، وخاصة بأعمال العتالة والتحميل والنقل، والأهم من ذلك كله فهو يرفع نسبة الإنتاج دون الحاجة لزيادة عدد عماله وبأقل تكلفة ممكنة، كما أنه يحصل على أعلى شعور بالأمان على منشآته أو مشغله حين يغادر مشغله كون عماله تحولوا بشكل طبيعي لحراس ليليين، خاصة في ظل هذه الظروف السائبة.


رب العمل يستغل الظروف

لم تنشأ هذه الظاهرة من العدم، بل كان لها أسبابها الموضوعية التي فرضها الواقع الكارثي للأزمة، والسياسات المفصلة بحرفية عالية على مقاس أرباب العمل، ومجمل القوانين التي شرعتها الحكومات ما قبل الأزمة وعلى رأسها القانون رقم 17 المعني بعمال القطاع الخاص، وكما جرت العادة فان العمال هم من يتحملون هذه النتائج ويعانون منها، فيما يجد رب العمل نفسه بعقليته الربحية قادراً على التقاط كل ما يعزز مصالحه، ولو على حساب المنتجين الحقيقين الذين ترخص حقوقهم كلما رخص عرقهم، فبدل أن يؤمن رب العمل وسيلة نقل لنقل عماله لمكان عملهم يغلق مشغله على المقيمين، ويذهب لينام بين أفراد أسرته مطمئنا فلا تشريع يمانعه ولا حكومة تحاسبه ولا قانون يلاحقه، راضياً لضميره، مفتخراً بين أصحابه بأنه يخشى ربه و يأوي عماله المساكين.