عمال توصيل الطلبات عمالة أحداث.. وبطالة مقنعة
نشأ عمل توصيل الطلبات للمنازل في سورية بشكل مفاجئ، مع افتتاح المولات والمحلات الكبرى لبيع المنتجات الغذائية، ليمتد هذا العمل إلى المطاعم والصيدليات ومحلات الجزارة والبقالة وغيرها أثناء تطبيق السياسات الليبرالية في البلاد.
يذكر أن مثل هذه الأعمال لم تكن مثار بحث لدراسة ظروفها، ولتحديد حقوق العاملين فيها ولفرض الشروط القانونية على أصحاب العمل، لضمان حقوق العمال بحكم أنها أعمال جديدة نوعاً ما وتتطلب حقوقاً معينة مما يضع ممتهنيها بمواجهة غير متكافئة مع أصحاب العمل، في هذا القطاع غير المنظم، الذي يحمل هامشاً مرعباً من التلاعب والظلم بحقوق هؤلاء العمال دون وجود من يساندهم أو يحميهم، وما يجعلهم يتحملون هذا العبء الخانق حيث أنهم كغيرهم من عمال القطاع الخاص الذين ليس لديهم أي تأمين أو ضمان ولا يسجلون في التأمينات الاجتماعية، ولا يعملون بموجب عقود رسمية، وأجرهم وساعات دوامهم طويلة وغير محددة، والمشكلة الكبرى أن معظم الذين يعملون بتوصيل الطلبات هم أطفال تتراوح أعمارهم تقريباً ما بين 13- 18 سنة ولا ننكر وجود من هم بعمر أكبر من هذا العمر أو أصغر.
فالمسألة هنا ليست للمطالبة بحقوق العمال فقط، بل لتسليط الضوء أيضاً على عدد كبير من الأطفال الذين يتم ابتزازهم ومعاملتهم كعبيد، وضمن المدن الكبرى دون رقيب أو حسيب مستغلين بشكل غير أخلاقي وغير قانوني أيضاً فقر وعوز هؤلاء الأطفال.
عمالة الأحداث
العديد من هؤلاء الأطفال تسربوا من الدراسة مضطرين للعمل، ومنهم من يدرس ويعمل في الوقت نفسه، ضمن ظروف أشبه إلى الاستعباد، وبأجور منخفضة ويعملون بمختلف ظروف الطقس حتى يستطيعوا تأمين الطلبات للزبائن مشياً على الأقدام أو على الدراجات الهوائية أو النارية ولمسافات طويلة بالإضافة إلى صعودهم الأدراج وهم يحملون في كثير من الأحيان بضائع تصل إلى نصف حجم وزنهم أو أكثر، كل ذلك لقاء 25 ل.س «بخشيش»، أما صاحب العمل فلا يعطي العامل أجراً مناسباً بحجة أنه يحصل على هذا «البخشيش» من الزبون لقاء خدماته.
قال أحد هؤلاء الأطفال وهو في الصف الثامن، يعمل ويدرس في الوقت نفسه أن أجره 4000 ل.س ويعمل ثمانية ساعات أو أكثر في اليوم حسب ضغط العمل، ويقضي ساعات دوامه متنقلاً بين الأبنية، وهو يحمل الطلبات، وكثيراً ما يتعرض للإهانة من الزبائن حيث عبر بالحرف الواحد «هدول ما بحسو فيني» وكثيراً ما يعيدوني إلى المتجر لأن المنتج لم يعجبهم وأعود لأحضر غيره من جديد وهناك أيضاً زبائن يكرمونني وتتراوح يوميتي ما بين 300 و 500 ليرة، وكل هذا العمل أعمله بعد انتهائي من دراستي، وعند سؤاله عن عدم مطالبته صاحب العمل بزيادة أجره؟ كان جوابه إن تجرأت وقلت لصاحب العمل أريد زيادة في الأجر سيكون جوابه الوحيد «مو عاجبك روح انقلع في ألف واحد بيشتغل بدالك»!.
محق صاحب العمل من وجهة نظر مصالحه، فغياب الحماية الحكومية وتردي الأوضاع الاقتصادية وفقر عوائل هؤلاء الأطفال وغياب معيل للأسرة أحياناً، أجبرهم للعمل بمثل هذه الأعمال مما يجعل صاحب العمل مرتاح البال لهذا الجيش من الأطفال الذين أجبرتهم الحياة رغم نعومة أضفارهم للعمل بالعتالة وغيرها من الأعمال المهينة.
أين دور الحكومة؟
واللافت للنظر بهذه القضية أن سورية وقعت عام 1993 على اتفاقية حقوق الطفل بموجب القانون رقم 8، حيث نصت كل القوانين ومنظمات حقوق الإنسان على تحريم عمل الأطفال ونسأل هنا ما دور كل من وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية في منع تشغيل الأطفال، ورفع الغبن عن عمال توصيل الطلبات عموماً، وحماية هؤلاء الأطفال من الاستغلال.