«عيدية» العامل صدقة أم حق منقوص؟!
يبدو أن عيد الفطر هذا العام سيكون الأكثر قسوة على الأسر العمالية، التي يعيلها عمال لا يملكون في جيوبهم غير الأجر الأخير الذي نالوه، مضافاً إليه «عيدية» رب العمل الذي يدعي بأنه أكرم عامله ومنّ عليه!
تعتبر شريحة عمال القطاع الخاص غير المنظم, الشريحة الأوسع ضمن الطبقة العاملة السورية, وكذلك الأكثر تأثراً بكل أنواع الأضرار التي تلحق بالعمال, فكما عانت الأمرّين من كل الانعكاسات السلبية للسياسات الليبرالية الاقتصادية قبل الأزمة, كذلك عانت وما زالت تعاني من التداعيات الكارثية للأزمة الوطنية بكل أبعادها, فهؤلاء العمال يواجهون مصيرهم وحدهم, فلا قانون ينظم علاقتهم بأرباب الأعمال, ولا تأمينات اجتماعية, ولا تواجد نقابي ملبٍ لمصالحهم ضمن نقابات من المفترض أنها تمثلهم.
لا عطلة مأجورة لعمال القطاع الخاص؟!
ينتشر هؤلاء العمال في القطاعات الإنتاجية جميعها, الصناعية منها والزراعية, وفي القطاعات التجارية والخدمية, ويرضخون لعملية العرض والطلب على الأيدي العاملة في سوق العمالة كونهم الحلقة الأضعف, وأغلب هؤلاء، إذا ما أردنا ألا نقع في التعميم, يعملون ساعات عمل تصل إلى اثنتي عشرة ساعة يومياً, ويقبضون أجوراً أسبوعيةً كما هو متعارف عليه, وينالون عطلة يوم واحد أسبوعياً غير مدفوعة الأجر طبعاً, فلا إجازات مدفوعة الأجر لأي سبب كان. فمثلاً إذا ما توفي أحد أقارب العامل وأراد أن يقوم بواجبه الاجتماعي والأخلاقي, فإن هكذا أمر سيكلفه أجر ثلاثة أيام، وذلك وفق العرف السائد في القطاع غير المنظم, وفي حالة ولادة زوجته يكلفه الأمر أجر يومين، وعليه أيضاً ألا يفكر بالمرض أبداً, فذلك سيكلفه فوق قيمة الطبابة وثمن الدواء,أجر أيام مرضه, فقاموس رب العمل في القطاع الخاص غير المنظم لا يحوي مفردة «إجازة مدفوعة الأجر» أبداً. حتى عطلة يوم الجمعة فهي غير مأجورة, وعطلة يوم السبت لا تشمل هؤلاء العمال, ويحسب يوم عملهم فيه يوم عمل عادي، وهو ليس كذلك طبعاً, فالمفترض أن يأخذ العامل أجرة مضاعفة إذا عمل في يوم عطلة رسمية، على مبدأ -الساعة بساعتين للعمل الإضافي- وذلك كونه يعد عملاً في الليل، فالأعمال الحالية تتم ليلاً نتيجة انقطاعات الكهرباء نهاراً، ويشمل هذا الحال عطلة عيد الفطر, التي تعتبر مناسبة مهمة كونها تأتي بعد شهر صوم طويل وشاق.
أجرٌ أخير.. وعيدية مضحكة.!
قبل حلول العيد بيوم أو يومين يحصل العامل على أجره الأخير قبل عطلة العيد, والتي غالبا ما تمتد لأسبوع كامل, مضافاً إليه بضعة ألاف تحت مسمى «عيدية»، والتي في حدها الأقصى لا تتجاوز قيمتها نصف أجر الأسبوع الذي يتقاضاه العامل أساساً, وتأخذ هذه «العيدية» طابع «الصدقة» أو «المنحة» وفي أحسن الأحوال عادة اجتماعية متأصلة استخدمها أرباب العمل كي ترتاح ضمائرهم قليلاً, و«يبارك الله في أرزاقهم»! وكي يتملصوا من دفع أجر أسبوع كامل, أي مدة العطلة والتي يفرضها أرباب العمل ولا يتحملون تكاليفها. لكن الحق بيّن، وهو أن يحصل العامل على أجر أسبوع العطلة كاملاً, فهو حقه المشروع يضاف إليه كل أجور العطل الرسمية وأجر مضاعف ليوم السبت, لا أن يؤكل حقه عنوةً ويمنن بتلك «العيدية» تحت عنوان الكرم و العطاء و«مخافة الرحمن»!.
أجرٌ شحيح و مصروف كبير.!
يأتي العيد هذا العام على العامل السوري حاملاً أزمةً أخرى تضاف لأزماته التي تتراكم وتتوالد, فالأسعار تحلق والأجر لا يكفي لتلبية أدنى احتياجات العائلة الضرورية, فهو في الأيام العادية يعيش أقسى أنواع الظروف المعيشية وأشدها, وتراه عاجزاً عن تدبر شؤون مصاريف أسرته, فكيف تراه سيفعل ذلك في عيد الفطر, فبعد أن يقبض العامل أجره قبل العطلة عليه أن ينتظر أسبوعين بعد العطلة ليقبض أجره المبتقي, لذا يتوجب عليه أن يأخذ بحسبانه مصروف الأسرة لأسبوعين اثنين, وكذلك مصروف العيد من ألبسة, وحلويات منزلية شعبية, وأجور نقل للزيارات العائلية, وكذلك مصروف جيب لأطفاله كي يستطيعوا ممارسة أدنى طقوس العيد الذي ينتظروه ويفرحوا بقدومه, فكيف سيستطيع فعل ذلك كله بأجر شحيح ومعيشة غالية.
تجد الطبقة العاملة -بالسنة الخامسة للأزمة- نفسها أمام خياريين, إما تأتي معجزة ما في زمن اللامعجزات, أو أن تخرج الحكومة من عجزها الذي طال كثيراً, وتقوم بواجبها المناط بها, وذلك بالعمل على تأمين مصالح الطبقة العاملة التي تتدهور بشكل كبير ومتسارع، والذي يعد أقلها الدعوة لتطبيق قانون العمل رقم 17، فالوضع الحالي يهدد بتداعيات خطيرة أبلغ ما يقال عنها بأنها كارثية يصعب احتوائها إذا ما تأخرت الحلول من قبل حكومة منحازة لرب العمل.