بصراحة: مفارقة بين موقفين العمال والحكومة؟
قدمت إحدى الصحف المحلية خبراً مفاده أن عمال ومهندسي معمل اسمنت عدرا قد قاموا بما يشبه المعجزة في عالم صناعة الاسمنت، القديمة في بلادنا، والتي تكونت فيها خبرات فنية وإنتاجية عالية، مكنت العمال وبقية الفريق الفني من إنجاز صيانة إحدى المطاحن، بلغ الوفر فيها ما يقارب الـ17 مليون ليرة سورية وبزمن قياسي «عشرون يوماً» وفنية عالية وكان نصيب العمال والفريق الفني بعض القروش التي لا تعادل ولو جزءاً صغيراً مما قدمه العمال، كمكافأة لهم على جهودهم العظيمة، التي قدموها لصناعتهم هذه، كي ما يبقى الإنتاج مستمراً في ظروف يسعى البعض فيها إلى إغفال أن الإنتاج كقاطرة للنمو.
في المقلب الآخر، وقعت رئاسة مجلس الوزراء مذكرة تفاهم مع مجموعة فرعون، لإنشاء معمل اسمنت جديد بقيمة 300 مليون يورو وفق نظام الـ bot الذي يمُكن المجموعة المستثمرة من التصرف المطلق بإنتاج المعمل لمدة ثلاثين عاماً ليعود بعدها إلى ملكية الدولة، شرط أن يحافظ على 80% من طاقته الإنتاجية مع عملية صيانة وتأهيل لمعمل اسمنت طرطوسٍ. والسؤال المفترض طرحه على الحكومة هو: أليس هناك من سبيل آخر لإنشاء معمل الإسمنت وبشروط أخرى من حيث التمويل وشروط الاستثمار؟ بحيث تبقى المعامل التي نريد تطويرها وتجديدها خارج دائرة الاستثمار المجحف والمكلف لاقتصادنا الوطني، خاصةً وأن هناك إمكانية حقيقية لبدائل غير التعاقد مع المجموعات الاستثمارية، التي هدفها في النهاية تحقيق الأرباح العالية بغض النظر عن التكاليف التي سيتحملها اقتصادنا الوطني، وانعكاس ذلك على مصالح وحقوق العمال، من حيث زيادة الأجور والحقوق الأخرى، التي ستساهم في تحسين الوضع المعيشي، كالحوافز الإنتاجية والمكافآت التشجيعية وتحسين الطبابة وغيرها من الأمور التي بدأ العمال بافتقادها تحت حجة شح الموارد التي لا تطبق إلاَ حين يكون الأمر متعلقاً بحق من حقوق العمال.
إن العمال بما راكموه من خبرة، قادرون على إبداع الحلول من أجل أن تعود عجلة الإنتاج في المعامل التي يمكن إعادة تشغيلها، وهي ليست بالقليلة، ومثال معمل اسمنت عدرا يمكن تعميمه، وهنا يكمن دور النقابات في العمل مع العمال من أجل إنجاز المهمة الوطنية، وهي تشغيل المعامل وصيانتها خارج دائرة المستثمرين التي تسعى الحكومة لإشراكهم وفقاً لقوانينها الاستثمارية «قانون التشاركية» وفي هذا تحقيق لمصلحة الطبقة العاملة وضمان لدور القطاع العام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.