بصراحة: العمالة المُهجرة بعهدة من؟
تعرضت الطبقة العاملة السورية خلال الأزمة لتغيرات جوهرية في تركيبتها وتوزع وجودها الجغرافي، الذي كان متمركزاً بالقرب من المدن الصناعية والمنشآت والمعامل، وهذا التغير له أسبابه الموضوعية المرتبطة بظروف الأزمة التي أدت إلى خسارة حقيقية لأماكن العمل، بسبب الأعمال القتالية التي كانت دائرة وما تزال في مختلف المناطق، حيث دفع هذا الوضع العمال كما بقية السوريين الذين تعرضوا لظروف مماثلة أدت لهجرتهم إلى الداخل والخارج، هذا جانب من أسباب الهجرة والجوانب الأخرى لها علاقة بأرباب العمل الذين أغلقوا منشآتهم وحولوها لأعمال آخرى تجارية تدر أرباحاً خيالية، مستفيدين من التسهيلات المالية والإجرائية المقدمة لهم لاستيراد ما تحتاجه السوق وما يدر عليهم من الأرباح الخيالية.
إن التقارير عن واقع العمالة المهاجرة التي تصدرها المنظمات المختلفة تدلل على خسارة فادحة منيت بها سورية في القوى العاملة الماهرة والمدربة إنتاجياً وفنياً، وهي تعمل في دول الجوار والدول الغربية، مما يعني احتمال عدم عودتها ثانيةً احتمالاً قائماً مما يستدعي إجراءات جدية من المفترض القيام بها مع اقتراب الحل السياسي للأزمة السورية، حيث تحتاج سورية لهذه العمالة لأنها جزء ومكون أساسي من الثروة الوطنية، التي ستساهم في إعادة الإعمار، والتي يعقد لأجلها الكثير من المؤتمرات وتصدر حولها العديد من الدراسات، من وجهات نظر القوى التي تسعى للاستفادة من إعادة الإعمار، والمرتبطة بقوى الفساد الكبير وقوى خارجية، ولكن إلى الآن لم ينل هذا الموضوع نصيبه من القوى الوطنية، التي ترى بإعادة الإعمار قضية وطنية ومن المفترض أن تتم وفقاً للمصلحة الوطنية سواء من حيث التمويل أو الانجاز، وقضية العمال المهجرين في الخارج هي بهذا المعنى لها علاقة بقضية الاعمار، ويمكن استعادتهم إلى مواقعهم الأصلية ليعيدوا بناء وطنهم الذي دمرته الحرب، وهذا العمل يمكن أن تلعب به دوراً أساسياً الحركة النقابية من خلال النضال لاستعادتهم، بإجراءات تعبر عن مصالحهم وحقوقهم التي فقدوها قبل الأزمة وأثنائها، حيث أن جزءاً مهماً من أسباب هجرتهم هو فقدهم لشروط العمل التي تؤمن كرامتهم، وضعف أجورهم التي لاتسمن ولا تغني من جوع، فكان الطريق الوحيد أمامهم هو طريق الهجرة للخارج فهل نستعيدهم ثانيةً؟.