ما زال الجدل مستمراً
من الطبيعي أن يستمر الجدل والنقاش حول القرارات التي أصدرها المكتب التنفيذي بشأن صندوق التكافل الاجتماعي وصناديق المساعدة الاجتماعية ورسم الانتساب داخل النقابات وخارجها.
سيطول الحديث عنها من حيث الظرف الذي صدرت به، ومنعكسات ذلك على علاقة الطبقة العاملة بالحركة النقابية، والتأثيرات المحتملة التنظيمية والقانونية، خاصةً ونحن أمام منعطف سياسي واقتصادي واجتماعي، يتطلب أن تكون فيه الحركة النقابية والحركة العمالية على مستوى التحديات التي تواجه الوطن، من حيث الدفاع عن مصلحة وحقوق العمال داخل وخارج الحركة النقابية، مما يجعل من تعزيز وحدة الحركتين تعزيزاً لدورهما في مواجهة التحديات الكبيرة، ابتداءً من المتطلبات المعيشية الأساسية التي يعاني الفقراء فيها الأمرين لتأمين الحد الأدنى الضروري، بسبب الخلل الكبير بين مستوى الأجور والأسعار الذي صنعته السياسات الاقتصادية الليبرالية، عبر تأمين الامتيازات للتجار وقوى الفساد الكبير المتحكمين بقوت الفقراء، وتركهم يواجهون مصيرهم دون حماية لحقوقهم، وصولاً للخروج من الأزمة الوطنية على أساس الحل السياسي، الذي هو المفتاح لبداية حل الأزمة الوطنية والأزمات المرتبط بها، الحل الذي تشارك فيه المكونات السياسية الوطنية كلها بما فيها الحركة النقابية والتي لها مصلحة حقيقية في ذلك لانعكاسها على مصالح العمال في العمل والإنتاج وتحسين الوضع المعيشي.
القرارات ومنعكسها التنظيمي
الحركة النقابية تكونت تاريخياً وقوي عودها، وأصبحت رقماً مهماً في ميزان القوى الداخلي، يحسب حسابه من خلال نضالها العنيد في مواجهة القوى البرجوازية الصاعدة، دفاعاً عن حقها في تنظيم العمال دون تدخل في شؤونها ومواقفها، ودفاعها عن مصالحهم في أجور تلبي حاجاتهم وفي تأمين مستوى معيشي لائق يحفظ كرامتهم. وهذا العمل المنجز ما كان ليتحقق دون مواقف ثابته في مواجهة النهب الذي يتعرض له العمال، مستخدمين حقهم المشروع الذي انتزعوه وهو حق الإضراب والتظاهر، وبهذا تم تعزيز العلاقة النضالية بين العمال ومن يمثلهم، وأصبح الانتساب للنقابة هو مسعى العمال في المهن المختلفة، حيث توسعت العضويات وتنوعت المهن التي يعمل بها العمال المنتسبين للنقابات، مما عزز قدرة الحركة النقابية في أن تحدد موقفها الوطني من مختلف القضايا الوطنية المفصلية، سواء بالسياسة أو الاقتصاد، واستمرت إلى لحظة تبني النقابات لشعار «النقابية السياسية» الذي جرى طرحه في المؤتمر الـ 17 ومن حينها بدأ تحول في آلية عمل النقابات التدريجي من ممثل لكل العمال في القطاعين الخاص والعام، إلى ممثل لعمال القطاع العام بالأغلب، على الرغم من وجود عمال للقطاع الخاص، وهذا الواقع أكدت عليه كثيراً القيادة السابقة للحركة النقابية، وكذلك تقارير النقابات في المؤتمرات، والواقع الفعلي أيضاً لا يعكس وزنهم الحقيقي من تعداد الطبقة العاملة داخل الأطر النقابية المختلفة، وهذا يعني خسارة الحركة النقابية لقوى حقيقية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في النضال النقابي والعمالي، ولكن التوجهات التي تؤكد على ضرورة العمل مع عمال القطاع الخاص، وضرورة شدهم إلى حيث يجب أن يكونوا شيء، والعمل الفعلي المرتبط بمواجهة أرباب العمل شيء آخر، مما جعلهم يعملون قدر استطاعتهم على إبعاد العمال عن أن يكون لهم ممثلون يدافعون عن مصالحهم وحقوقهم وتساعدهم في هذا القوانين والتشريعات الناظمة للعلاقة بين العمال وأرباب العمل وفي مقدمتها القانون 17 الذي أقر ضمن سياسة الانفتاح الاقتصادي، ليكون عامل تطمين للمستثمرين في الداخل بأن العمال متحكم بهم ولن يكون لهم تأثير على ما سيجنونه من أرباح من خلال مطالبتهم بزيادة أجورهم وتحسين شروط عملهم.
العلاقة بين النقابات وعمال القطاع الخاص
إذاً هناك أزمة في العلاقة مع عمال القطاع الخاص من أجل شدهم إلى المظلة النقابية، وهناك أسباب عدة تجعل الأزمة مستمرة، هذا قبل القرارات الأخيرة للمكتب التنفيذي، فكيف هو الحال مع فرض اشتراك على العمال لا يتناسب مع أجورهم ووضعهم المعيشي الصعب، ويمكن أن نضرب مثلاً على ما نقول من واقع ما فرض عليهم «عمال النسيج في القطاع الخاص ملزمون بدفع 750 ل.س شهرياً حسب الورقة المقدمة من نقابة النسيج» كيف هذا الأمر سيشجع على الانتساب إلى النقابة وصناديقها وهم بحاجة كل قرش يحصلون عليه، هذا بالإضافة لضريبة الدخل والتأمينات الاجتماعية ليصل مجموع الحسميات وسطياً إلى 4000 ل.س ويمكن سحب الأمر أيضاً على عمال القطاع العام.
النظر إلى موضوع القرارات من جانبه المادي فقط لا يحل مشكلة العجز في الصناديق، بل لابد من رؤية الجوانب الأخرى، وفي مقدمتها الجانب التنظيمي الذي له أهمية لا يمكن مقارنتها بالجانب المادي، الذي يمكن تأمينه من مصادر متعددة تستطيع النقابات تأمينها ومنها الدعم الحكومي للصناديق المختلفة.
إن استمرار الوضع على ما هو يحمل مخاطر حقيقية على الحركة النقابية خاصةً وأن هناك أفكاراً جري تداولها سابقاً وحالياً تشكك بدور النقابات وقدرتها على الدفاع عن حقوق ومصالح العمال، وتطرح بدائل لما هو قائم وهذا ليس في مصلحة العمال أولاً، ولا الحركة النقابية ثانياً ولنا في تجارب عربية عده تم فيها جر العمال إلى مواقع أخرى، رافعين فيها شعارات تلامس حقوقهم ومصالحهم.