الحرفيون..أشـجان وهموم وأشـياء أخــرى

الحرفيون..أشـجان وهموم وأشـياء أخــرى

ما زالت الحرف التقليدية السورية تواجه تحدّيات البقاء خلال الأزمة، من خلال تصدّيها لمجموعة من المعوقات الكبرى، كصعوبة الحصول على ترخيص مزاولة المهنة، وتحدّي ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف أقنية التسويق، وارتفاع الرسوم والضرائب قياساً بالوضع الاقتصادي للمشتغلين بهذه الحرفة، بالإضافة إلى قلة الاهتمام الرسمي بالقطاع الحرفي، رغم وجود اتحاد عام للجمعيات الحرفية في سورية.

إلاّ أنّ اتحاد الجمعيات الحرفية لعب وما زال يلعب دور المراسل مع الجهات المختلفة، وتقتصر وظيفته على تقديم البيانات للمنتسبين ووثائق الخبرة وغير ذلك..

ومن المعروف أن الحرفيين موجودون في كافة مفاصل الحياة، حيث يصل عدد المشتغلين في الحرف إلى حدود (750) ألف حرفي. منهم فقط (125) ألف مسجّل لدى الاتحاد العام، نظراً لأن قانون الاتحاد لا يلزم الحرفيين بالانتساب إليه. 

سنتناول في تحقيقنا هذا إحدى الحرف العريقة في بلدنا، والتي تشمل عشرات الألوف من المشتغلين بصناعة الأحذية، الذين ما زالوا يتخذون من هذه الحرفة التراثية مصدراً وحيداً للرزق، وهي تمثّل لهم خاصّية تدخل في حيّز الوجدان والذاكرة، حيث امتهنوا وتوارثوا هذه الحرفة عن آبائهم وأجدادهم. وقد قامت «قاسيون» بجولة على بعض مشاغل الأحذية في اللاذقية ورصدت همومهم ومشاكلهم ومقترحاتهم. ولفت انتباهنا أن أكثر من 70% منهم من مهجّري حلب، وكان الاستطلاع التالي:  

الترخيص لا يقل عن 120 ألف 

يقول أبو محمد وهو صاحب مشغل (اللاذقية): ماذا أعدّد لك؟ الحقيقة إن كل مرحلة من مراحل تصنيع الحذاء لها همومها ومشاكلها. بدءاً من ترخيص المشغل والذي يحتاج مجموعة كبيرة من الشروط والإجراءات يصعب تأمينها؛ شهادة حرفية، سجلّ تجاري، سجلّ صناعي، ماركة مسجّلة، وغيرها الكثير من الرسوم والضرائب. ناهيك عن شرط ملكية العقار المستثمر أو عقد إيجار لمدة سنتين فما فوق.. وطبعاً صاحب الملك لا يوثق عقد الإيجار كمحل تجاري أو صناعي، بل كسكن من أجل التهرّب من الضريبة. باختصار، إن الترخيص يكلف لا أقلّ من 120 ألف ليرة، ومن أين لنا هذا المبلغ يا حسرة!

الابتزاز الحكومي

يرى أبو جميل وهو صاحب مشغل من حلب أن: (الحصول على المواد الأولية في غاية الصعوبة، هذا في حال توفّرها. وأصبحت تكاليف الإنتاج باهظة جداً بسبب الوضع الأمني للطرقات، وغلاء أجور النقل، وارتفاع سعر الصرف للدولار، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وانسحاب الدولة كلياً من العملية الإنتاجية. كل ذلك (كُوم) والابتزاز الذي يُمارَس علينا من قبل كافة موظفي المرافق الحكومية من حواجز وجمارك وتموين ومالية وصحية وكهرباء وغيرها.. (كوم تاني). وكلهم يريدون منّا حصصاً شهريةً. وكأننا قاعدون على منجم ذهب.. يا أخي الحياة باتت لا تطاق. حلمنا أن نعود إلى حلب ونسترجع جزءاً من كرامتنا المهدورة).

ماذا عن العمال النازحين؟

بدوره طالبنا شادي وهو عامل مهجّر من حلب ملحاً: أرجوك يا أستاذ اكتب عن العمال النازحين وبغضّ النظر عن مهنتهم؛ أسكن وأسرتي مع قريب لي وأسرته في غرفة واحدة بالإيجار، عددنا ثلاثة عشر نفراً بأتعس حيّ وبأسوأ شروط. والعقد لا يبرم لأكثر من ثلاثة أشهر وفي كل مرة يأخذ السمسار أجرة شهر، إضافة إلى الأجرة المتوجّب دفعها للمؤجر. بيتي يبعد أربعة كيلومترات عن المشغل الذي أعمل به. وبعد غلاء أجور النقل أمارس غصباً عني (رياضة المشي) في الذهاب والإياب.. همّنا ينحصر في تأمين لقمة الأكل وبس. في كثير من الأحيان وبسبب التعب نتيجة ساعات العمل الطويلة، أنام ليلاً في المشغل على طرّاحة وألتحف بألواح الكرتون وسط الجرذان.. ولك آخ على عيشة الكلاب آخ، إنهم أسعد منا بدون شك.! 

نجاح بالتزكية!

أما رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الأحذية في اللاذقية السيد بهجت منصور فقد أجاب قائلاً: أنا رئيس الجمعية منذ أكثر من عشرين عاماً. ولا منافس لي في الانتخابات تاريخياً إذ أنني دائماً أنجح بالتزكية. يوجد (42) مشغلاً مسجّلاً لدينا. والأمور عال العال، ولا توجد لدينا أية مشاكل أو مطالب!!!

وبعد، فإننا ومن خلال هذا الاستطلاع يمكننا أن نجمل أهمّ المطالب التي من شأن تحققها أن تساهم في النهوض بهذه الحرفة العريقة، والتي صرّح أكثر من عامل فيها بأنهم مستعدّون لمنافسة حتى أوروبا في إنتاجهم فيما لو توفرّت الشروط المناسبة. 

المطلوب بشكل عاجل 

• إلزام الجمعيات الحرفية بتأمين المواد الأولية للحرفيين في المحافظات التي تعاني من نقص هذه المواد من أجل الاستمرار في العمل. 

• إعفاء المواد الأولية المستوردة من الضرائب كافة من أجل الوصول إلى كلفة منافسة.

• إحداث معارض سنوية أو دورية للورش والمشاغل كافة، كشكل من أشكال الدعاية ومن أجل تسويق الإنتاج.

• العمل على إصدار التشريعات اللازمة وتعديل الأنظمة والقوانين بما يتفق مع المستجدات التي من شأنها تسهيل عمل الحرفيين.

• تشجيع الحرفيين على تشكيل نقابات خاصة بهم، تدافع عن حقوقهم. وتحفيزهم على التسجيل لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

• ضرورة تشميلهم بالضمان الصحي.