دير الزور.. 90% من المنشآت الصحية مدمرة!
كانت سورية تعتبر من أوائل الدول عالمياً، في الحماية الوقائية (التلقيح)، حيث لم تسجل أية حالة لشلل الأطفال في عام 2002، ولكن التراجع في دور القطاع الصحي كما القطاعات الأخرى، بدأ يتّسع ويتسارع، بسبب السياسات الليبرالية.
وفي ظل الأزمة طال النهب والتخريب والحرق والتدمير غالبية بنى القطاع الصحي العام والخاص ومحتوياتها، من أجهزة ومواد وأدوية، كالمشافي والمستوصفات ومستودعات الأدوية الحكومية والعيادات والمخابر الخاصة في المدينة والمناطق والأرياف، ومنها المشفى الوطني ومشفى الفرات في محافظة دير الزور، ولم يبق منها إلاّ ما يقارب 10% فقط، مما كان له أثراً كبيراً على صحة المواطنين وحياتهم..!
انتشار الأمراض واستفحالها..!
لعب ازدياد العوامل الممرضة بنسبٍ كبيرة، ونقص التجهيزات والكوادر الطبية، دوراً مهماً في تفشي كثير من الأمراض واستيطانها وتحولها إلى بؤرٍ لها كالتهاب الكبد الوبائي. كما عاود انتشارٍ أمراضٍ انقرضت كشلل الأطفال والكوليرا والطاعون، التي تقول بعض التقارير أنها جاءت محمولة مع المسلحين الأجانب وخاصةً في الريف، وكذلك بسبب ارتفاع نسب التلوث في الهواء والماء والغذاء والتربة نتيجة التكرير والاستخراج البدائي للنفط ما أدى إلى ارتفاع نسب الأمراض السرطانية والولادات المشوهة. يضاف إلى كل ذلك دور تردي الأوضاع الغذائية للمواطنين مما أضعف المناعة والمقاومة للأمراض. وتفشت الأمراض الجلدية كاللشمانيا والجرب.
يضاف إلى ذلك، الإصابات والأمراض الناتجة عن الحرب كالكسور والحروق وبتر الأعضاء خاصةً لدى الشباب، وتحول المصابون إلى عالة كبيرة ليست آنية على أسرهم وعلى المجتمع وإنما لسنواتٍ قادمة. كما كان للخوف والرعب دور كبير في انتشار الأمراض القلبية كالاحتشاء والتهاب الكبد وسكر الأطفال نتيجة الصدمات، والأمراض النفسية من حالات جنون وسلس البول لدى الأطفال وغيرها. وكانت غالبية هذه الأمراض والإصابات لدى المدنيين من النساء والأطفال والكهول، فهم الحلقة الأضعف في بنيتهم الجسدية والأكثر عرضة للقصف في أماكن سكنهم..!
100 طبيب لـ500 الف إنسان!
وزيادة على العوامل الممرضة السابقة، يتبدى النقص الكبير في الكوادر الطبية من أطباء وفنيين وممرضين وخدمات، وخاصةً الأطباء المختصين، حيث يبلغ عدد الأطباء المسجلين لدى فرع نقابة الأطباء في دير الزور حوالي 1152 طبيباً منهم 150 في منطقة البوكمال وريفها و180 في منطقة المياذين وريفها والباقي حوالي 800 في مدينة دير الزور وريفها، ولم يبق في مدينة دير الزور سوى 100 طبيبٍ فقط لخدمة 500 ألف مواطن. حيث غادر غالبيتهم إمّا إلى خارج الوطن وإمّا إلى المحافظات الأخرى وقلة منهم إلى ريف المحافظة، فمن بقي لا تتجاوز نسبته 10%، ولا توجد إحصائيات دقيقة عنهم بسبب سيطرة المسلحين على الريف كله. وتعاني المحافظة من عدم وجود أخصائيين في الجراحة العصبية وجراحة الأوعية والداخلية والعصبية والجراحة التجميلية والفكية، وندرة في بقية الاختصاصات الطبية الأخرى!
6 أجهزة فقط من أصل 24!
بعد تدمير مشفى الفرات القلبي والمشفى الوطني للنساء والأطفال، والمشافي الخاصة في المدينة وريفها لم يبق سوى مشفى الأسد. حيث تم تخصيص جناح لمن بقي من كوادر مشفى الفرات وآخر لكوادر المشفى الوطني. وتفتقد المدينة ومشفى الأسد وتوابعها للكثير من التجهيزات الطبية الجراحية العظمية. ولا يوجد فيها عنايات مشددة ولا حواضن أطفال، وجهازي الرنين المغناطيسي والطبقي المحوري كثيري الأعطال، وهناك تقصير كبير في صيانتهما من قبل الشركات المسؤولة. كما أنه لا يوجد سوى 6 أجهزة غسيل الكلى تعمل من أصل24 مع نقص كبير في أدوية الغسيل، بل ولا يوجد حتى سيارة إسعاف واحدة باستثناء سيارات تابعة للهلال الأحمر فقط.
على الرغم من كل ذلك ما تُقدم خدمات جزئية في المناطق التي تسيطر عليها الدولة في المدينة فقط، لكن الشيء الذي يثير الغضب والاستياء أنه ما زالت سياسات التهميش مستمرة..ولم يجر التعامل مع الظروف الاستثنائية التي تمر فيها المحافظة بحلول استثنائية، فالجهات المسؤولة تبرر النقص في الأجهزة والمواد بحصار المسلحين للمدينة علماً أنه يمكن نقلها جواً عن طريق الطيران العسكري. كما أنّ التعامل مع المواطنين عموماً والكوادر الطبية خصوصاً من قبل الأجهزة الأمنية يمنع عودة الكوادر من الريف إلى عملهم، حيث يعتبرون مدانين ومتهمين وإرهابيين ويتعرضون للاعتقال والتعذيب لكونهم يتواجدون في مناطق سيطرة المسلحين أو بتهمة علاجهم أولئك.