العمال لم يكن لهم عيد.. رواتب متدنية.. أسعار خيالية.. والفرحة تأجّلت!!
حضرت التصريحات الحكومية قبل العيد في لجم الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، لكن التطبيق غاب، ولم تكن سوى كلامٍ بلا صدى وفاعلية، لتكون مجرَّد تصريحات رنانة لا طعم لها ولا لون مع مزاجية الكثير من التجّار.
في هذا التقرير نستند لآراء بعض العمال الذين خانهم الراتب في إيصال فرحة العيد لبيوتهم وعائلاتهم، حيث رصدت «قاسيون» حركة الأسواق قبل العيد، والتي شهدت فيها أسعار ملابس العيد ارتفاعًا ملحوظًا زيادة عن الارتفاعات السابقة أصلاً، وكان النصيب الأكبر من الارتفاع لأسعار ملابس الأطفال والنساء التي تضطرُّ لشرائها، الأمر الذي دفع بعض الأسر السوريّة إلى تأجيل الشراء لمَّا بعد العيد، وإقناع الأبناء أن ذلك سيتم مع بدء موسم التنزيلات قريباً.
يا فرحة ما تمّت
الغالبية الساحقة من العمال الذين التقيناهم أكدوا أن الأسعار ساهمت كثيراً في إفساد فرحة العيد، إذ لم يستطع العديد منهم شراء احتياجات العيد، بسبب ضعف قدراتهم الشرائية، وارتفاع الأسعار، أما الأضاحي والتقاليد الاجتماعية فأصبحت من الأحلام السعيدة التي لن يروها سوى في المنام.
الغريب أن بعض العمال والموظفين ونتيجة تعايشهم اليوميّ مع الأسواق أصبحوا شبه محللين اقتصاديين، العامل «درغام» قال: ارتفاع أسعار الملابس وحتى الحلويات يعود إلى ارتفاع الدولار، وبالتاليّ مستلزمات الإنتاج، باستثناء أجور العمال التي تبقى على حالها دون زيادة إلا نادراً، وهذا ما يسبب بإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين.
ويبدو حسب «درغام» أن الحكومة تحاول السير في خطة اقتصادية ظاهرها توجيه الدعم لمستحقيه، في حين باطنها خفض الدعم، لتخفيف عجز الموازنة، فقد أصدرت الحكومة في الفترة القليلة الماضية حزمة قرارات تتعلق برفع أسعار المحروقات والخبز، من أجل خفض مبلغ الدعم الموجّه للوقود في الموازنة العامّة للدولة، وقد أثر قرار زيادة أسعار المحروقات بشكل مباشر على جميع القطاعات الإنتاجية.
الآثار واضحة
المواطن «عبدالكريم» الموظف في وزارة الاقتصاد الذي رفض الكشف عن راتبه خجلاً أوضح أن «الآثار التضخمية بدأت في الظهور بشكل واضح من خلال رفع تكلفة المواصلات والنقل بكل الوسائط، وزيادة أسعار بعض السلع الاستهلاكية خاصة الرئيسة منها، كما ساهمت هذه القرارات في خفض القدرة الشرائية للمواطن، لذلك من الطبيعيّ أن يكون الموسم الحاليّ ضعيفاً جدًا، لأن السوق يشهد حالة كبيرة من الركود نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين».
بدوره أبدى «محجوب» استغرابه من الإصرار في المضيّ قدماً بهذا الاتجاه لأن القرارات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة مؤخرًا، والمتمثلة في زيادة أسعار المحروقات أدّت إلى تراجع القدرة الشرائية، وبالتاليّ أصبحت الملابس في آخر سلم الأولويات، حيث خفضت الأسر إنفاقها على الملابس لتواجه زيادة أسعار السلع الغذائية التي لا يمكن العيش دونها!!.
حرقة قلب
وأوضحت «سهام» العاملة في إحدى شركات الألبسة الوطنية أن «وظيفتها لم تساعدها في شراء ما يلزمها من شركتها، فذهبت مع أبنائها للسوق لكن ارتفاع أسعار الملابس، دفعني لتأجيل شراء احتياجاتيّ واحتياجات عائلتي بشكل عام، وأضافت سهام «رغم قناعتيّ أن عدم الشراء لهم، يعني أنيّ سأفسد عليهم فرحة العيد، ومع ذلك لم استطع الشراء مع حرقة القلب التي بداخليّ».
حال «يوسف» الموظف بإحدى شركات القطاع الخاص ليس بالأحسن إذ ينوه «تجولت على محلات الملابس، وأجلت الشراء حتى موسم التنزيلات، لأن راتبيّ لا يتماشى مع الارتفاعات اليومية للأسعار» وطالب يوسف الحكومة إما ضبط السوق أو إجبار القطاع الخاص على زيادة المرتبات.
معاناة ثابتة ومتكررة
«لينا» مدرّسة في إحدى مدارس العاصمة دمشق قالت: «اعتدت أنا وزميلاتيّ في عيد الأضحى من كل عام أن نشتريّ جزءاً قليلاً من المتطلبات الضرورية لأن رواتبنا متدنيّة ولا تكفيّ، ولا تغطيّ مصروفات العيد، خصوصا بعد أن خرجنا من شهر رمضان والعيد، ودخلنا في المدارس وأقساطها، والتحضير لها خلال ثلاثة أسابيع، لكن هذه السنة غير تماماً».
وتؤكد «لينا» أن «ميزانيات جميع زميلاتها محدودة، لأنهن من الأسر محدودة الدخل، والتي في هذا الشهر تتعرض لضغط ماديّ، ويرجع السبب لارتفاع الأسعار، وزيادة معدل الإنفاق على المشتريات، في ظل وجود راتب ثابت» مطالبةً الوزارة والحكومة «ضرورة إيجاد دعم لمساعدة الأسر محدودة الدخل على تجاوز أزماتها المالية، ولاسيما في المناسبات العامة، مثل صرف راتب إضافيّ أو المنح المالية التي كانت تأتيّ من الرئاسة.
الراتب لا يكفي
إن الواقع على الأرض يؤكد أن العائلات متوسطة الدخل والفقيرة تعاني ظروفا اقتصادية صعبة، وكان هذا واضحاً من العديد من العاملين الذين أخذنا بآرائهم، والذين قالوا إن الراتب ينفذ منذ اليوم الأول لاستلامه، إذ يدفع ما يزيد عن نصفه لتسديد فواتير الكهرباء، والماء، وإيجار البيت، ومصاريف العائلة، والمدارس التي لا تنتهيّ. مؤكدين أن ارتفاع الأسعار، يحرمهم من تلبية متطلبات أسرهم، مما سيحد من فرحة العيد بالنسبة لهم ولأطفالهم، خاصة أن الأطفال لا يعرفون معنى عدم توفر نقود كافية لشراء كل ما يرغبون فيه.
السؤال الأخير: متى سيعيش العامل حياة طبيعية دون كل هذه المنغصات بكرامته التي هي من كرامة الوطن؟!!.