الدردري رحل.. والخصخصة حاضرة!!

الدردري رحل.. والخصخصة حاضرة!!

النهج الاقتصادي الذي جرى تبنيه في العقدين الفائتين أخذ أشكالاً مختلفة من الصراع حول مدى قدرته على إنجاز نسب النمو المطلوبة، وفي قدرته على تلبية الحاجات الأساسية لأغلبية الشعب السوري من تأمين فرص عمل وتخفيض نسب الفقر وتأمين السكن المناسب والتعليم بكل مراحله، والصحة المجانية، وتطوير الصناعة، والزارعة والخدمات الأخرى التي تتطلبها عملية التنمية إلى جانب تأمين متطلبات الصمود والمقاومة للمشاريع الاستعمارية التي كانت مطروحة من قبل الإمبريالية الأمريكية والدول الغربية الأخرى.

وجهتا نظر حول النهج الاقتصادي

الصراع المحتدم حول النهج الاقتصادي تمثل بين وجهتي نظر الأولى: تقول بالاعتماد الأساسي على جذب الاستثمارات الأجنبية من أجل تأمين الموارد اللازمة لإنجاز الخطط الخمسية المعدة من قبل الحكومة، وبدون هذه الاستثمارات لا يمكن  تحقيق نسب النمو المطلوبة، وبالتالي التنمية التي جزء أساسي منها اصلاح القطاع العام الذي طرح له العديد من المشاريع الإصلاحية وفقاً لرؤية الفريق الاقتصادي الذي كان ممسكاً بدفة القيادة الاقتصادية وموجِهاً لها، وهو في الوقت ذاته موجَه من المؤسسات المالية الإمبريالية «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، ودفع البلاد لإقامة شراكات مع منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوربي، في اللحظة التي بدأت تنهار اقتصاديات العديد من الدول المتبنية لهذه السياسات، التي كانت في جوهرها تأمين المصالح القصوى لقوى النهب والفساد الكبير؛ وهي مدخل حقيقي لتدخل القوى الاستعمارية في تقرير مصير الشعوب السياسية والاقتصادية – الاجتماعية، مما يسهل إلى حد بعيد نجاح المشروع التفتيتي للمنطقة المعتمد بشكل أساسي على تفعيل وتشغيل الثنائيات الوهمية الطائفية والقومية والعشائرية.

ثانياً: وجهة النظر النقيضة للأولى، والتي كانت ترى في عملية التطور الاقتصادي المنشودة، من خلال المستوى المعيشي لأغلبية الشعب السوري، ومن خلال مستوى الأجور وعلاقته بمستوى الأسعار وبعدالة توزيع الدخل الوطني من حيث علاقة الأجور بالأرباح وهذه المؤشرات هي نوعية ومركبة من خلالها يقاس التطور الاقتصادي الحقيقي الذي تراجع بفعل النهب والفساد الكبير؛ وهي تعكس المصلحة الوطنية الحقيقية للفقراء، ومنهم الطبقة العاملة السورية. حيث ترى بعملية التغيير المطلوبة شموليتها للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا يتطلب مستوى من الحريات الديمقراطية يعمل على تعبئة الجماهير من أجل عملية التغيير الشاملة. الأمر الذي سيسفر عن ميزان قوى اجتماعي ملائم للتغييرات المطلوبة إنجازها، ومنها الاعتماد بشكل أساسي على الموارد المحلية ومصادرة ما نهبته قوى الفساد الكبير.

كان يقف بين الموقفين الأساسيين العديد من القوى التي كانت لها وجهة نظر أحادية في عملية الإصلاح، وهي توافق على مشروع الإصلاح المطروح مع بعض التعديلات التي لا تمس جوهر مشروع الإصلاح والتطوير الاقتصادي، حيث الموقف هو مع جلب الاستثمارات تحت حجة تأمين الموارد المطلوبة، دون رؤية المخاطر السياسية والاقتصادية المترتبة على دخولها إلى عصب الاقتصاد الوطني، وقيامها بعملية النهب من خلال تحويل أرباحها وفقاً للقوانين والتشريعات التي تسمح لها بهذه العملية. بالإضافة إلى عدم خضوع هذه الاستثمارات عند تشغيلها لليد العاملة السورية لقوانين العمل السورية التي فُصل بعضها على مقاس منطق الاستغلال الذي تسير به الشركات الاجنبية، وهذه إحدى الميزات التي قدمت لتشجيع الاستثمار في القدوم «لتطوير» اقتصادنا كما صرح بذلك المسؤولون الليبراليون الممسكون بالقرار الاقتصادي.

النقابات والسياسات الليبرالية

حاولت النقابات لعب دور معيق لبعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال موقعها الذي تشغله في المفاصل الحكومية، وكانت تعبر عن ذلك في المؤتمرات النقابية واجتماعات المجالس بحضور الطاقم الحكومي الذي كان يستمع إلى تخوفات، وتحذيرات الكوادر النقابية من تغول السياسات الليبرالية، ومدى الخطورة التي تشكلها على الاقتصاد الوطني، وخاصةً القطاع الإنتاجي الذي تلقى الصفعة الأولى من خلال جملة الإجراءات الانفتاحية على الغرب والمراكز المالية، والمنظمات التجارية المتخذة وبالقانون، حيث كان يتطلب مقاومتها ومواجهتها انطلاقاً من الدستور السوري الذي ينص في مادته الـ«14» (على أن ملكية الدولة هي ملكية الشعب بأسره وعلى كل مواطن واجب حمايتها)، وحماية ملكية الشعب، ومنها الدفاع عن القطاع العام الذي يشكل القاعدة المادية الرئيسية في التقدم والتطور هي مهمة وطنية بالدرجة الأولى، وهذا ما أشار إليه التقرير المقدم في مؤتمر الإبداع الذي عقدته النقابات من أجل إيجاد تلك الحلول الضرورية في إصلاح القطاع العام الذي أخذ بالتدهور، يقول التقرير: «إن توطيد وتوسيع ودعم القطاع العام وربطه بمصالح أوسع الجماهير الشعبية هو الطريق الأساسي لتلبية حاجات التطور الموضوعية، وهو الذي يربط الأهداف العامة الوطنية بالأهداف الشعبية الطبقية».

سلوك الحكومة اليوم كما الأمس

الآن ونحن في ظل أزمة وطنية عميقة تطرح الحكومة مثيلاً لما طرحته الحكومات السابقة بما يخص القطاع العام، ونعني بذلك قانون التشاركية الذي يسمح للقطاع الخاص الوطني والرأسمال الأجنبي الاستثمار في الجهات العامة. كما جاء في مقدمة القانون والجهات العامة غير مستثناة منها المواقع السيادية الوطنية التي لا يجوز تحت أي اعتبار التسليم لها، ولنا في الاستثمار الذي أقدمت عليه حكومة الدردري عبرة لابد أن تؤخذ بالحسبان، ويبدو اليوم تعاد الكرة مرةً أخرى ولكن في ظروف متغيرة عن السابق؛ وموقف النقابات إلى الآن يقبل بموضوع الاستثمار من حيث الجوهر مع بعض التحفظات التي لا تعيق عملية الخصخصة الواضحة والمباشرة للقطاع الحكومي برمته بالرغم من نفي وزير الصناعة عن وجود نية لدى الحكومة بخصخصة القطاع العام؛ وإذا كان هذا الموقف؛ فما مبرر مثل هذا القانون الذي يسهل التفريط بالقطاع الحكومي؟ وهل هذا القانون يساهم في تأمين الموارد الضرورية لعملية النهوض بالقطاع العام، والتجربة مازالت حاضرة أمامنا من حيث مساهمتها في زيادة منسوب الفقر والبطالة، وتفاقم المشكلات الاجتماعية المختلفة التي كانت عاملاً قوياً في تفجر الأزمة الوطنية، وساعدت في التدخلات الأجنبية المختلفة أيضاً؟!!.

إن السير إلى الأمام في مقاومة السياسات الليبرالية، والمفترض بالحركة النقابية أن تكون في مقدمة القوى لا يمكن أن تكون فعالة دون تحقيق أوسع ديمقراطية للجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة السورية للدفاع عن مصالحها باعتبار أن القوى الأخرى لديها ما يكفي من أدوات للدفاع عن مصالحها بينما هي محجوبة وممنوعة عن الجماهير الشعبية.

آخر تعديل على الثلاثاء, 08 تموز/يوليو 2014 12:36