العمال أصحاب الأجر في صناعة النسيج
في القرن التاسع عشر، ومع قيام المؤسسات المانيفاكتورية الوطنية الأولى في سورية بدأ ظهور العمال المأجورين، وفي بدايات القرن العشرين ووفقاً لمعطيات معظم الباحثين والعاملين في شؤون الطبقة العاملة، فإن عدد العمال المأجورين في صناعة النسيج في سورية ولبنان قد بلغ تقريباً 25ـ 40 ألف عامل.
لقد كانت الصناعة الوطنية السورية بشكل عام ما تزال في مراحلها الأولى.. مرحلة الانتقال من الإنتاج الحرفي إلى المانيفاكتورة الرأسمالية، حيث بدأ المعلم يتحول إلى رب عمل رأسمالي، والصبي الصانع إلى عامل مأجور، وظهرت معها بذور التمايز الطبقي فيما بينهم، وبدأت بالتشكل، وكانت رواسب نظام الورش والتشتت ما تزال قوية وحاضرة. لقد كان العمال المأجورون أساساً، عبارة عن فئات وورش شبه حرفية، ومرتبطة جزئياً بالملكية الخاصة وأدوات الإنتاج البدائية، وتابعة للرأسمال التجاري الربوي. إن منافسة الرأسمال الأجنبي قد خربت الصناعة الوطنية الحرفية المانيفاكتورية الوطنية السورية، وبدأت تظهر مكانها المؤسسات الصناعية الأجنبية،
لذا فإن تكُّون الطبقة العاملة السورية قد بدأ قبل كل شيء في المؤسسات الصناعية الأجنبية في سورية ولبنان، ويعود تاريخ هذا التكُّون إلى الربع الثاني من القرن العشرين، وكانت نسبة هامة من العمال مكونة من الفلاحين الموسميين الذين يسافرون إلى المدينة بهدف العمل مع الاحتفاظ بصلات وثيقة بالقرية، حيث ما تزال تعيش فيها عائلة المسافر، والكثير منهم استمر على العيش في القرى المحيطة بالمدينة ويذهبون منها للعمل، لقد حافظ مثل هؤلاء العمال على صلات ثابتة مع قومهم المرتبطين بهم؛ وغالباً ما كانت هذه الصلات أمتن من الصلات الطبقية، وكانت النساء والأطفال يشكلون نسبة كبيرة من العمال، فالكثير من أرباب العمل مثلاً أصحاب معمل الغزل الإنكليزي في اللاذقية كانوا يفضلون استخدام النساء العاملات لأن النساء العاملات في الصناعة النسيجية كن يحصلن على أجر أقل مما كان يحصل عليه الرجال.. لقد كانت حال الطبقة العاملة في ظل الانتداب قاسية جداً مع يوم العمل بين 14 – 16 ساعة في اليوم، وأجرة العامل المأجور ضئيلة لدرجة لا تؤمن الحد الأدنى من الحياة، ولم ترتفع أجرة عامل نسيج بالمقارنة بين عام 1913 و1937 فإذا كان عام 1913 تكفي أجرة عمل شهر وقدرها 22.5 قرش ففي عام 1937 بلغت أجرة عامل نسيج 100ـ 125 قرشاً في الأسبوع أي ثلاثة فرنكات في الشهر لذا كان العامل يحتاج لعمل 48 يوماً ليؤمن الحد الأدنى من المعيشة لأسرته.. كما أن أرقام البطالة أيضاً تكشف عن وضع الطبقة العاملة المذري في سورية عشية الحرب العالمية الثانية، ففي دمشق وحدها كان يوجد 14250 عاطلاً عن العمل منهم 6500 عامل نسيج.. وقد ظل إنتاج النسيج هو الفرع الرئيسي في الإنتاج الصناعي حيث كان 46% من العمال يشتغلون في النسيج عام 1937 وكانت دمشق وحلب مراكز صناعة النسيج وفي الوقت نفسه مراكز تجمع العمال حيث تجمع فيها حوالي 90%من العمال...