الحركة النقابية والسياسات الليبرالية!!
الحركة النقابية، منظمه كفاحية، يفرضها الواقع الموضوعي المتمثل بعلاقات الإنتاج الرأسمالية المستحوذة على قيمة العمل الزائد الذي يقوم به العمال، وهو غير مدفوع الأجر، والذي يشكل أحد مصادر الاستغلال للطبقة العاملة، حيث ينشأ الصراع بين قوة العمل، ورأس المال.
ينتسب العمال إلى النقابات بمحض إرادتهم كإطار تنظيمي جامع، طالما هي تدافع عن قضاياهم، وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وحرياتهم النقابية والديمقراطية، التي تكفل لهم حق التعبير عن مصالحهم، والدفاع عنها سلمياً، وهذه الحقوق التي أقرتها الاتفاقيات الدولية، والعربية، هي ملزمة منذ لحظة إقرارها ، ولكن ما هو سائد أن الحكومات، وأرباب العمل في بلداننا العربية تقوم بتجاوزها، والذهاب إلى قوانين تكبل الحريات النقابية، تمنع عن النقابات حقها المشروع في الدفاع عن أعضائها، ليس هذا فحسب بل يتم اختلاق أشكال مختلفة من الممارسات، بالإضافة للقوانين، والتشريعات التي تعمل على الحد من وصول الكوادر النقابية التي يختارها العمال بمحض إرادتهم كمدافعين حقيقيين عن حقوقهم، ويدفعون بكل إمكانياتهم من أجل إيصال من هو الأقدر على ضبط حركة العمال، وامتصاص الاستياء المتراكم بفعل إدارة الظهر للمطالب العمالية المشروعة، المتزايدة مع تدهور المستوى المعيشي للعمال بسبب آلية النهب للدولة والمجتمع، مما يعاظم من فقدان الثقة بين العمال، وحركتهم النقابية، وتصبح آية عملية انتخابية يمكن القيام بها هي شكلية لا تعبر عن المضمون الحقيقي الديمقراطي المفترض أن يسود أثناء العملية الإنتخابية وبعدها، كي تنتج ما هو ضروري، وممكن للدفاع عن المطالب، والحقوق العمالية التي تبتلعها قوى رأس المال المسلحة بالقوانين والتشريعات، وانحياز أجهزة الدولة إلى جانبها.
من المجرد إلى الملموس
كي لا نبقى بالإطار العام للفكرة لابد أن نذهب إلى الملموس الذي تعاني منه الطبقة العاملة السورية على مدار عقود من الزمن، خاصةً مع تبني النقابية السياسية في المؤتمر السابع عشر للاتحاد العام لنقابات العمال الأمر الذي انعكس على دور الحركة النقابية في تطوير أدواتها وخطابها المستقلين اللذين يحررانها من الهيمنة والتبعية لأية جهة كانت حكومية، أو سياسية، وللعلم، القيادة النقابية تؤكد على أن حرية النقابات مصانة متمثلة بحرية الاجتماع والنقاش، وهذان الأمران لا يمكن اعتبارهما الأساس في أن النقابات مستقلة، وحريتها مصانة، على الرغم من أهميتهما، والتجربة المريرة التي مرت بها الطبقة العاملة مع السياسات الليبرالية، والشعار الذي رفعة الليبراليون«قولوا ماتريدون ونحن ننفذ مانريد» كانت قاعدة الانطلاق للهجوم الواسع الذي شُن على حقوقها المكتسبة مستفيدين من موقف النقابات بأنها هي والحكومة فريق عمل واحد، وشركاء في اتخاذ القرار، مما أضعف إلى حد بعيد إمكانية، صد الهجوم الليبرالي المتوحش، ليس فقط على المطالب، والحقوق العمالية، بل على الاقتصاد الوطني المنتج برمته في القطاع العام والخاص، مما فتح الباب على مصراعيه لإنتاج أزمة اقتصادية واجتماعية وبالتالي سياسية أدت إلى ما نحن فيه الآن، هذا الأمر أوضح إلى حد بعيد دور المشروع الليبرالي الذي تم تبنيه تحت ستار الإصلاح الاقتصادي، في التضييق على الحركة النقابية، من خلال توسيع حدة التناقضات مع الحركة العمالية بتسويف المطالب، وتأجيلها، وحتى بالهجوم على النقابات واتهامها بالموافقة على قرارات الحكومة، ولم يكن هناك رد حقيقي على تلك السياسات بالمعنى العملي لقطع الطريق على أهدافها في الهجوم على مصالح العمال والاقتصاد الوطني تنفيذاً لتعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين، بالرغم من موقف الكادر النقابي الذي نادى بضرورة التصدي لما يحصل كونه يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الوطني والسلم الأهلي.
الحركة النقابية والشروط الليبرالية
إن إعادة تقييم تجربة الحركة النقابية، ومراجعة خطها النقابي، والعمالي، خاصةً خلال العقدين الفائتين له أهميته السياسية، في ظل النشاط المحموم للقوى الليبرالية الداخلية، والخارجية، التي تعقد المؤتمرات وتُنشط مراكز الدراسات من أجل وضع الخطط التي تكفل لها المساهمة الواسعة في إعادة الإعمار التي تحتاجها سورية، ولا يخفى على أحد الأهداف، والمكاسب التي ستحققها القوى الليبرالية من خلال الدور الذي يمكن أن تلعبه في إعادة إعمار ما ساهموا هم في تدميره مستندين على الدعم الذي ستقدمه الدول الإمبريالية، والدول النفطية من قروض مشروطة سياسياً تهدد القرار الوطني المستقل، حيث يتطلب لمواجهة هذا الدور وجود قوى وطنية فاعلة قادرة على حماية مصالح الشعب السوري، ومن هذه القوى الحركة النقابية التي تستطيع بقدراتها، وإمكانياتها أن يكون لها دور مؤثر في صنع القرار المطلوب منها وطنياً، وهذا يتطلب مجموعة من الشروط التي لابد من تحققها في مقدمتها استقلالية القرار النقابي المعبر بالدرجة الأولى عن المصلحة الحقيقية للطبقة العاملة، وهذه الاستقلالية لا تتحقق إلا بإعادة الاعتبار لحق العمال في اختيار ممثليهم الفعليين القادرين على الدفاع عن الحقوق المشروعة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية بما فيها حق الإضراب، والتظاهر السلميين اللذين كفلهما الدستور السوري الجديد، وتُغيبهما القوانين والتشريعات، مثل قانون العمل، وقانون العاملين الموحد من خلال المادة 136 التي يجري من خلالها التسريح التعسفي لأعداد كبيرة من العمال تحت بند مكافحة الفساد، بينما الفساد الحقيقي يحتفظ بمواقعه دون رقيب أو حسيب مسبباً خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، آثارها، ونتائجها، يعيشها شعبنا بأغلبيته الساحقة فقراً وتهجيراً، وبطالة تفوق نسبتها الـ50%.