بصراحة: الحركة النقابية في الوقت المستقطع«2»

بصراحة: الحركة النقابية في الوقت المستقطع«2»

في العدد السابق من جريدة«قاسيون»أشرنا إلى ضرورة الاستفادة من الوقت المتبقي لإجراء الانتخابات النقابية التي أجلت لمدة ثلاثة أشهر بسبب الظروف الأمنية في العديد من المحافظات، حيث هناك صعوبة في إجراء الانتخابات النقابية بالشكل المطلوب، والمقصود بما أشرنا إلى بعضه في العدد السابق من المهمات والقضايا التي تخص الحركة النقابية والعمالية، وذلك من أجل تفعيل دورهما الوطني والطبقي، ومن أجل أن يكون لهما دور أساسي في رسم خارطة سورية الجديدة السياسية والاقتصادية، ونقلها من موقع الممانعة للمخططات والمشاريع الامبريالية إلى مقاومة لها.

لقد نشأت الحركة العمالية والنقابية السورية في ظروف معقدة من الناحية السياسية، بسبب وجود الاحتلال الفرنسي المباشر ودوره في قمع أي حراك شعبي معاد له، بالإضافة إلى ضعف وتخلف علاقات الانتاج السائدة في ظل الاحتلال العثماني التي بقيت سائدة إلى حد كبير مع وجود الاحتلال الفرنسي، حيث أنتج هذا برجوازية ضعيفة، وطبقة عاملة وليدة أقرب إلى الحرفية منها إلى البروليتاريا، ومع هذا استطاع العمال والنقابيون الأوائل شق طريقهم في الصخور الصلبة نحو إنشاء حركة نقابية مستقلة مناضلة نمت وترعرعت وتطورت و صلب عودها في خضم المعارك الوطنية والطبقية التي خاضتها بكل شجاعة وجسارة دفاعاً عن حقوقها، في المقدمة منها من أجل ثماني ساعات عمل وأجور عادلة و في المقلب الأخر المساهمة الفعالة إلى جانب القوى الوطنية والشعبية في مقاومة الاحتلال هذا الخط الكفاحي الذي سارت وفقه الحركة العمالية والنقابية أكسبها موقعاً متميزاً في خارطة ميزان القوى الوطنية والشعبية، وجعل منها قوة أساسية تدخل في حسابات القوى الفاعلة على الأرض، ولهذا سعت الكثير من القوى إلى محاولة احتوائها أو بالحد الأدنى استمالتها إلى جانبها، وهذا ما حدث لاحقاً في زمن الوحدة المصرية السورية، وفي الزمن الآخر الذي مازلنا نعيشه إلى الآن بالرغم من تعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه التي جرى الاستناد إليها في مصادرة القرار و الدور المستقل للحركة النقابية، انعكس هذا بدوره على الحركة العمالية، وذلك بتقييد دورها وحركتها في الدفاع عن حقوقها التي تمت مصادرتها تباعاً تارة تحت شعارات اشتراكية وأخرى لحساب شعارات رأسمالية، وبهذا تكون الطبقة العاملة قد أُخرجت من ساحة الفعل السياسي، وهذه خسارة كبيرة للقوى الوطنية التي لعبت دوراً ما فيما وصلت إليه الطبقة العاملة لطبيعة التحالفات السياسية التي قامت، والتي كان نتيجة لها تقاسم الحصص بين الأطراف الداخلة في التحالف بدلاً عن النضال داخل صفوف الطبقة العاملة، ودفعها باتجاه أن تكون فاعلة وليس مفعولاً بها يأتيها الغيث ممن بيده الحل والربط إذا تكرم على الطبقة العاملة ووهبها بعض مما لديه من الفتات.

المطلوب من الحركة النقابية في الوقت المستقطع أن تقدم للطبقة العاملة برنامجها القادم مستندةً فيه على مراجعة حقيقية وموضوعية عن المرحلة السابقة، وأن تكون هذه المراجعة بمثابة النقد والاعتذار من الطبقة العاملة التي تضررت مصالحها كثيراً، والتي في جزء مهم من هذا الضرر تتحمل مسؤوليته قيادة الحركة النقابية الحالية والسابقة، وبهذا الفعل الحضاري إن جرى تكون الحركة النقابية قد صنعت المدخل الضروري لفتح القنوات المغلقة مع الطبقة العاملة منذ عشرات السنين.

إن إشراك الطبقة العاملة في كل ما سيطرح  من قيادة الحركة النقابية من قضايا و مواضيع و برامج عمل، سيجعل الحركة النقابية أكثر استقلالية في اتخاذ قراراتها، وتكون أكثر فاعلية في دفاعها عن القضايا الوطنية، ومصالح العمال أينما وجدوا في القطاع الخاص أو في القطاع العام.

إن الشعب السوري، والطبقة العاملة ستقدر للنقابات دورها القادم المفترض أن تلعبه في قيادة الدفاع عن الوطن أرضاً وشعباً واقتصاداً إلى جانب كل القوى الوطنية التي لها مصلحة حقيقية في إخراج البلاد من أزمتها، وبناء سورية الجديدة المقاومة.