الحركة النقابية العمالية السورية:انعكاسات تجربة التحالف مع الحزب القائد وأحزاب الجبهة!!
أن تقف الحركة النقابية داعمة للسلطة الوطنية التقدمية لا يعني ذلك عدم التصدي للأخطاء وللفساد التي تتواجد في أجهزة هذه السلطة، ولا يعني عدم التصدي للاتجاهات اللاديمقراطية.
كما أن تأييد السلطة واعتبار الحركة النقابية أحد أجهزة السلطة أو أحد اجنحتها يعني ذلك تراكم الأخطاء من خلال تبعية مطلقة لكل أجهزة السلطة بدلاً من التفاعل معها، المبني على أساس الاستقلالية.
إن هذا الفهم جلب للحركة النقابية أمراضاً عديدة بل وجلب ضرراً كبيراً للسلطة أبرزها عزلة الحركة النقابية عن عمالها عمال القطاع الخاص مثالاً أيضاً عزلت السلطة عن الجماهير.
قبل العام 1970 أي قبل قيام الحركة التصحيحية لم نجد نقداً لأداء الحركة النقابية أو لأداء السلطة من الحركة النقابية، كان هناك توافق كامل، ولكن وفي المؤتمر السادس عشر للاتحاد العام لنقابات العمال، والذي عقد بعد منتصف عام 1970، اتهمت الحركة النقابية السلطة السياسية في بيانات عدة بالانعزال عن الجماهير والتوجه نحو الانحراف والتسلط، وما إلى ذلك من توجهات، كما اتهمت نفسها بين الأعوام 1968 ــ 1970 بجملة نقاط هامة أبرزها كما جاء في المؤتمر /16/:
عدم التقيد بأحوال المراجعة وحل القضايا النقابية.
بروز ظاهرة البيروقراطية النقابية في بعض مكاتب المنظمات النقابية.
عدم اتباع النقابيين أسلوب الحوار لحل المشاكل أو الخلافات الناشئة بينهم. واتباع أساليب تخلق حساسيات تؤدي إلى التباعد وتدمر روح التعاون والعمل الجماعي.
وقوع مخالفات متعمدة لإحكام المرسوم التشريعي رقم /84/ والقرارات المنفذة له والأنظمة الداخلية، وانغماس بعض القادة النقابيين في حل المشاكل اليومية الخاصة وابتعادهم عن قضايا التنظيم النقابية العامة وممارسة المهمات النقابية.
عدم زوال الارتباطات والولاءات المتعددة لبعض النقابيين المتمثلة في الأمراض الاجتماعية والتقاليد البالية.
عدم شعور بعض القادة النقابيين بمسؤوليتهم النقابية في العمل والدوام والإنتاج والنشاط النقابي، وابتعادهم عن رفاقهم في القواعد العمالية التي رفعتهم إلى القيادة.
ترفع بعض القادة النقابيين ونظرتهم الفوقية للعمال وعدم اكتراثهم بقضاياهم ومشاكلهم.
وجهات نظر مختلفة
بالإضافة لبروز ظاهرة الاتكالية، وعدم استخدام بعض القيادات النقابية لصلاحياتها، حيث كانت ترفع القضايا التي تواجهها في منظماتها إلى القيادات الأعلى دون أن تكون مشاركة بالرأي المناسب، مما يعتبر تنصلاً من المسؤولية ومحاولة إلقائها على عاتق القيادات الأعلى.
ويعترف الاتحاد العام في كتابه الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية /1848/ 2002 بما يلي: «انعكس الاختلاف في وجهات النظر داخل قيادة الحزب والسلطة السياسية، و ما ترتب على هذا الاختلاف من مواقف وتوجهات متباينة ومتعارضة على دور الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وبرزت نتيجة ذلك ظواهر سلبية عديدة في العمل النقابي ناجمة في بعضها عن الفهم الخاطئ لطبيعة وشكل العلاقة بين الحزب والنقابات، وفي بعضها الآخر عن طبيعة المهام النقابية وأولوية القضايا والمطالب العمالية، ويتابع في ظروف اتسمت بغياب الحوار وحجب المعلومات وغموض الصيغ الفكرية والمعايير العلمية... إلخ. إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: لماذا لم تتخذ الحركة النقابية هذا الموقف وتشخص واقعها قبل عام 1970 من الآن؟ لتأتي الإجابة باقتضاب: « بسبب الفهم الخاطئ لطبيعة وشكل العلاقة بين الحزب والنقابات».
وإن كانت كذلك، فهل فهمت العلاقة بين الحزب والنقابات بعد عام 1970؟
التبعية للسلطة والحكومة
إن الوقائع تنفي ذلك حيث كان هناك تأييد ودعم للسلطة دون قيد أو شرط وبذلك تحولت النقابات إلى أجنحة سياسية للسلطة وللحكومة... تبعية للسلطة وفي خندق واحد، بل وقد جاءت تجربة جديدة وهي العمل الجبهوي الذي أقيم من خلال تحالف أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وتم سحبه على واقع الحركة النقابية، ومنذ ذاك تنشط عمليات المساومات والاتفاقيات من الأعلى بمعزل عن أكثرية الطبقة العاملة وعن العمال اللاحزبيين لتقسيم المراكز النقابية بين ممثلي هذه الأحزاب على حساب مبادئ الديمقراطية النقابية، والوقائع تقول إنه وخلال 40 عاماً لم تجد رئيس نقابة أو رئيس اتحاد مهني أو حتى رئيس لجنة نقابية غير بعثي وحتى الأحزاب المنضوية في الجبهة منع عليهم هذا الحق، وقد أدى ذلك إلى ضمور الحياة النقابية وإلى جملة أمراض تعاني منها الحركة النقابية سنتحدث عنها في مناسبة أخرى.
إن تجارب عديدة، في بلدان مختلفة أثبتت فشل هذا الاتفاق الفوقي، وأدت الحال بالحركة النقابية فيها إما إلى الشلل والضعف العام وقتل الحيوية فيها، وإما إلى تمزيقها إلى كتل صغيرة متناحرة لا تجمعها الوحدة النضالية الطبقية حتى في إطار الحد الأدنى منها.
صحيح أن الحركة النقابية في سورية وتحديداً في مؤتمرها الخامس والعشرين 2007 حذرت من التحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد العالمي بحجة إخفاق التنمية التي قادتها الدولة والخسائر التي يمنى بها القطاع العام، وأن الاتحاد أكد بأن الاستنتاجات التي توصل إليها دعاة تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي إنما هي نتائج سطحية تجري في إطار طروحات ناقصة، ولا تفضي إلى تحقيق التنمية مع الاعتراف بأنه يمكن أن تؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي، لهذا لابد من معرفة ما الذي يمكن أن يفيد التنمية التي تحتاجها وما الذي يمكن أن يضر بها؟ وما الذي يمكن أن يدعم اقتصادنا الوطني؟ وما الذي يمكن أن يشكل اختراقاً لهذا الاقتصاد؟.
البقاء للأقوى
ويتابع الاتحاد: من الواضح أنه لا السوق الحرة ولا الالتحاق بالاقتصاد العالمي والعولمة يمكن أن يساعدا على تحقيق التنمية المنشودة ذلك أن قانون السوق الحرة وقانون العولمة إنما هي قوانين البقاء للاقوى. وليس للأصلح ومن الواضح أننا لسنا من هؤلاء.
إن ما يصنع التنمية هو الإرادة الوطنية والتخطيط وفق رؤية مستقبلية واضحة.
كان موقفاً صحيحاً للحركة النقابية وجريئاً، ولكن في المحصلة كان الاتحاد العام موافقاً على هذا النهج لأن المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الذي عقد في حزيران 2005 هو الذي أقر التحول إلى اقتصاد السوق.
رؤية الحركة النقابية كانت تتمثل في النقاط الآتية:
العودة إلى الاستثمار العام في جميع القطاعات الاقتصادية رأسياً وعمودياً ومعالجة المشكلات التي يعاني منها هذا القطاع معالجة جذرية تراعي إعادة توزيع الدخل لمصلحة الطبقات الفقيرة بما يؤدي إلى تحسين دخول هذه الطبقات ويقلص الفوارق الطبقية ويكافح الفقر بشكل جذري وتعزيز نظام الدعم الحكومي باتجاه تخفيف أعباء الأسر الفقيرة، والبحث الجدي في إيجاد الطرق الكفيلة بمعالجة مشكلة البطالة، وإطلاق إمكانيات كل القوى الاقتصادية في سورية سواء العامة والخاصة، وحل المشكلات التي يعاني منها القطاعان العام والخاص.
طبعاً لم تأخذ الحكومة أو القيادة بهذه الرؤية، ونشهد الآن آثار وانعكاسات اقتصاد السوق على الاقتصاد السوري، وعلى سورية بشكل عام ومنها الحركة النقابية وانطلاقاً من ذلك نقول:
إن الديمقراطية النقابية واستقلال المنظمات النقابية، وعدم الهيمنة عليها كفيل بالحفاظ على الوحدة النقابية وعلى قوتها ودورها، وهذا لا يعني عدم التحالف مع بعض الأحزاب التقدمية التي تدعم الحركة النقابية، بل إن هذا التحالف هو المطلوب لأنه يصب في قوة وتماسك الحركة النقابية.