وهم «العلاقة التشاركية»!!

وهم «العلاقة التشاركية»!!

جاء في صحيفة «الاشتراكي» الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات العمال، في عددها رقم /2404/ تاريخ 12/10/2011، خبراً في الصفحة الأولى تحت عنوان: (وزير النفط يخرج عن اللياقة في تعامله مع الاتحاد العام لنقابات العمال).. والخبر يشير إلى إلزام التنظيم النقابي بالموافقة على قرار الوزير بنقل المهندسين، وإذا ما تم الاعتراض على قرار الوزير سيتم تجاوز هذه الموافقة!.

وجاء في الخبر المنوه عنه في الصحيفة حرفياً: (يكتب إلى رئاسة مجلس الوزراء بأسماء الفائضين في الدائرة، مع الطلب بنقلهم أو ندبهم إلى الشركات التي بحاجة لخدماتهم، ضمن الوزارة أو خارجها، وإلزام التنظيمين الحزبي والنقابي، وفي حال امتناعهم يتم تجاوز موافقتهم)، والإشارة الأخرى التي جاءت في الخبر، أنه عند استقبال وزير النفط لرئيس الاتحاد المهني لعمال النفط والكيمياويات لبحث القضايا العمالية العالقة، تهجم على التنظيم النقابي بسيل من الشتائم، حيث لا يعكس ذلك مدى «عمق العلاقة التشاركية» بين الحكومات المتعاقبة والحركة النقابية، والتي ذكرّت بها الحركة وزيرَ النفط بأنه تجاوزها ولم يحترمها، مع العلم أن وزير النفط ليس الوحيد في الحكومة الذي لا يرى في التشاركية مع الحركة النقابية أنها أداةٌ لاتخاذ القرارات بشكل مشترك بالقضايا الإنتاجية والعمالية، بل هي معيق حقيقي للإدارات والوزارات في اتخاذ قراراتهم الإدارية والإنتاجية، كما صرحوا وعبروا عن ذلك في الكثير من الاجتماعات واللقاءات.

إن تجربة الحركة النقابية في علاقتها مع الحكومات المختلفة، محكومة بقرار من خارجها، فهي لا تستطيع تجاوزها، بل يجري الدفاع عنها بكل قوة أمام كوادر الحركة النقابية، باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي تمكِّن النقابات من الحصول على مطالبها التي تتقدم بها إلى الحكومة، حيث تقوم بتنظيم المذكرات والرسائل متوجهةً بها إلى الحكومة لتنفيذها، ولكن ذلك لا يحدث في أغلب الأحيان، ويبقى ما تتقدم به الحركة النقابية من مطالب في أدراج الوزراء والجهات الوصائية المفترض بها الاستجابة لها، كما تنص على ذلك العلاقة بين الحركة النقابية والحكومات المتعاقبة الموثقة في قانون التنظيم النقابي وغيره من القوانين والقرارات، والتي عمل الاتحاد بموجبها على تذكير وزير النفط بأن هناك قوانين لابد له من مراعاتها وعدم تجاوزها، لأن في ذلك إخلالاً في العلاقة التشاركية «الوطيدة».

إن ما قام به وزير النفط تجاه النقابات يعبر عن ذهنية وموقف الليبرالية الاقتصادية التي لا ترى في الحركة النقابية شريكاً حقيقياً، بل ترى فيها عدواً طبقياً، باعتبار أن الحركة النقابية تمثل مصالح الطبقة العاملة، وتدافع عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يكسبها شرعية تمثيل الطبقة العاملة، وإن انحازت عن ذلك فإنها تفقد تلك الشرعية والتمثيل، كما هو جارٍ في الحركة النقابية في العديد من البلدان العربية والأوروبية، حيث أخذ العمال يبحثون عمَّن يقود نضالهم، وعمن يدافع عن مصالحهم في مواجهة النهب الرأسمالي لفائض القيمة الذي تحققه الطبقة العاملة، وهي محرومة من استثماره من أجل تحسين معيشتها عبر زيادة أجورها وتعويضاتها التي حصلت عليها في مراحل سابقة، ويجري الآن الهجوم عليها عبر السياسات الاقتصادية الليبرالية التي طبقت توصيات صندوق النقد الدولي، وعلى رأس تلك التوصيات تخفيض الأجور بأشكال وطرق مختلفة.

إن ما جرى في سورية خلال الخطة الخمسية العاشرة، من هجوم مباشر وغير مباشر على حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها، كان يستدعي من الحركة النقابية أن تراجع سياساتها المتبعة مع الحكومة، وأن تعيد النظر في خطابها المؤيد للإجراءات الحكومية بشكله العام، وأن تصيغ برنامجاً مقاوماً للسياسات الاقتصادية التي مارستها الحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي تجاه مستوى المعيشة المتدني وارتفاع نسب البطالة والفقر وغلاء الأسعار وتخريب القطاع العام، وخاصةً القطاع الصناعي والزراعي، وفتح الأسواق على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية والعربية المسيسة، التي تبين أنها كانت بمثابة تحضير لتفجير بؤر التوتر الداخلي التي نشهد مجرياتها الآن، بتفجر الحراك الشعبي المُطالِب بحقوقه المشروعة التي كانت مغيبة عنه منذ عقود.

إن تاريخ الحركة النقابية والطبقة العاملة السورية منذ نشأتها الأولى، كان تاريخاً وطنياً بامتياز، وطبقياً بامتياز أيضاً، حيث استطاعت الحركة النقابية والطبقة العاملة أن تنتزع حقوقها ومطالبها، ليس عبر المراسيم والقرارات فقط، بل عبر فعل كفاحي نضالي على الأرض، تَمثَّل بالإضرابات الواسعة التي جرى القيام بها من أجل برنامجها المطلبي والسياسي، حيث عدَّلت تلك الإضرابات من موازين القوى، وأجبرت القوى المعادية لمصالح وحقوق العمال، على الاعتراف بها كقوة فاعلة وأساسية من قوى الحراك السياسي الوطني.

أما اليوم، فالوطن يمر بأزمة عميقة، اجتماعية وسياسية، وحصار اقتصادي، واحتمالات تدخل عسكري تشنه القوى الإمبريالية في الخارج وأذنابها في الداخل، والذي قسم منه يحاول امتطاء الحركة الشعبية عبر توجيه شعاراتها وحركتها على الأرض. اليوم نحن بحاجة إلى استرجاع تاريخ طبقتنا العاملة، والاستفادة من تراثها وتجربتها النضالية في مقاومة الاستعمار والأحلاف العسكرية، وفي الدفاع عن مطالبها وحقوقها الاقتصادية والسياسية، وبهذا الخصوص لابد للحركة النقابية أن تعيد الاعتبار لذاك الإرث، وتهرع لانتزاع المبادرة من القوى المعادية التي لها مصلحة حقيقية في نهب وتخريب الاقتصاد الوطني، والسير بالبلاد إلى المجهول. فهل تفعل النقابات ذلك؟!!