المهندسون عاطلون عن العمل لضيق الاختصاص..!!
إن مشكلة البطالة في سورية ليست وليدة اليوم بل بدأت تبرز في النصف الثاني من الثمانينيات، لعدم ملاقاتها بخطط تنمية اقتصادية تتناسب مع أعداد الداخلين في سوق العمل
ويقدر عدد العاطلين عن العمل في سورية نتيجة الأزمة مع عدد الذين فقدوا وظائفهم أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، ويقدر عدد القادمين إلى سوق العمل سنوياً ما بين/ 150ـ 250 ألف شخص، وتحتاج سورية إلى معدلات نمو اقتصادية عالية سنوياً حتى تستطيع استيعاب هذا العدد، مع علمنا إن تحقيق معدل نمو عال في الأمد القصير أمر مستبعد حسب واقع الأزمة حيث معدل النمو الاقتصادي الحالي سالب إلا أن بعض التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن الرقم ما تحت السالب أي ليس هناك نمو أصلاً.
خريجو الكليات الهندسية من أكثر الشرائح الذين طالهم الظلم والأذى المادي والمعنوي ودخلوا ضمن جيش العاطلين عن العمل لعدم حصولهم على فرص عمل تليق بشهاداتهم، الأمر الذي جعل البعض من هؤلاء الخريجين يقول: «لوكنا على دراية بأن مستقبلنا سيكون بهذا الشكل ما كنا دخلنا هذه الكلية بالأصل، ولكنا عملنا أي عمل حر كريم حتى عتالين أو بائعي بسطات من أجل تأمين لقمة عيشنا والحفاظ على كرامتنا».
الاختصاصات الضيّقة
المهندسون ما بخلوا على أية مسابقة أعلنتها الحكومة دون مشاركة بهدف الاستحواذ على فرصة عمل، حتى تجاوزت أعمار بعضهم الأربعين عاماً، لقد طرح موضوع المهندسين في أكثر من مناسبة، كما أعلن عن اتفاق ثلاثي يعلن بداية النهاية لمشكلة بطالة المهندسين بين النقابة وكل من وزيري التعليم العالي، والعمل بخصوص تأمين فرص عمل لخريجي كليات الهندسة الذين فقدوا حظوظهم في العمل ما بين القطاع العام والخاص، إلا أن رئاسة مجلس الوزراء لم تستجب لهذا الاقتراح.
إن ما لم يفهم من موقف نقابة المهندسين التي من المفترض بها الدفاع عن هؤلاء الخريجين وتوظيفهم هو إصرارها على تسمية بعض الخريجين بـالاختصاصات «الضيّقة» التي لا عمل لها أو العمل «حسب قولها» على «إعادة تأهيل بعض المهندسين المدنيين من ذوي التخصّصات الضيّقة إلى هندسة إنشائية عن طريق تحميلهم عدداً من المواد في الهندسة الإنشائية يخضعون بعده لإجراء امتحان وتقديم مشروع هندسي، ومن ينجح يُسمح له بالعمل كمهندس إنشائي».
إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: من المسؤول عن فتح تلك الاختصاصات «الضيّقة» التي لا عمل لها، الطالب أم الوزارة أم الحكومة؟!.
هندسة اقتصادية
كما طالبت النقابة من وزارة التعليم العالي مساعدتها بإعادة تأهيل مهندسي الغزل والنسيج ليتمكّنوا من العمل في الهندسة الميكانيكية، وبعض تخصّصات الهندسة المدنية الأخرى «الضيّقة» للعمل كمهندس ميكانيك عام، وحسب المرسوم (49) لعام 1974 كانت الدولة ملتزمة بتعيين كل المهندسين، وبعد ذلك تراجعت الحكومة عن تطبيق المرسوم الآنف الذكر بحجة أنها اكتفت بذلك، وستقوم بتعيين من تحتاج له فقط حسب الاختصاص المطلوب.
في تصريح لأمين سر نقابة المهندسين سعد أحمد للزميلة «البعث» قال: «سابقاً كانت هناك حاجة ماسة لتعيين المهندسين وبقيت هذه الحاجة تقل، وحينها لم تكن الجامعات الخاصة قد أنشئت، والذي زاد من تفاقم المشكلة هم خريجو نظم المعلومات الإدارية ظناً منهم أنها هندسة حاسبات، ولكنها ليست شهادة هندسة مما اضطر النقابة إلى تسميتهم هندسة اقتصادية حلاً لمشكلاتهم».
هل يسمح لنا أمين السر بالكشف عن الجهة التي سمت القسم بـ«هندسة الحاسبات» كاسم براّق لجذب الطلاب، وهل يسمح القانون بتغييره من هندسة الحاسبات لهندسة اقتصادية التي لا أساس لها كفرع هندسي في كل سورية.
يضيف أحمد في تصريحه: «طالبنا الجامعات الرسمية في عام 1997 بأن تكفّ عن هذا الاتجاه من تخريج التخصّصات الهندسية الضيّقة، مثل (الري والصرف، الإدارة الهندسية، الغزل، هندسة طيران....) أو الالتزام بتعيينهم أسوة بباقي الاختصاصات، علماً أن دراسة المهندس تكلّف أهله ومجتمعه الملايين لأن كلفة دراسة طالب الهندسة في العام تعادل خمسة أضعاف كلفة الطالب الجامعي في الاختصاص الآخر، نحن نتحدث عن الاستثمار في الإنسان، فهل من المعقول أن نصرف هذه الملايين لكي نؤهل عاطلاً عن العمل؟!.».
المشكلة ليست بـ«طالبنا» المشكلة أن هذه الأقسام تم افتتاحها بمراسيم ولن تغلق بمراسيم والقضية ليست كمن يخرّج لاعب كرة قدم في ملاعبنا؟!.
فرز جديد ومشاكل متناقضة
أصدر د.وائل الحلقي رئيس مجلس الوزراء قراراً يقضي بفرز 1849 مهندساً من خريجي الدورة الفصلية الأولى والثانية للعام الدارسي 2011• 2012 حيث بلغت نسبة الفرز 9ر97%من عدد المتقدمين بطلبات التعيين.
وأوضح القرار الصادر أن المعايير المعتمدة في الفرز استندت إلى حاجة الجهات العامة في الدولة من المهندسين ورغبات المهندسين، وتناسبها مع الحاجة المعلنة، وتسلسل معدلات التخرج ،حيث يتم الفرز وفقا لتسلسل درجة المعدل، وحتى يتم تأمين العدد المطلوب وفق حاجات الجهات العامة كما تمت في هذا الفرز مراعاة تأمين احتياجات محافظات المنطقة الشرقية (دير الزور والرقة والحسكة) وفق الأسس المعتمدة لذلك.
إن قرار رئيس الحكومة يناقض تصريحات أمين السر مما يعني مشاكل وتناقضات جديدة على طريق تشغيل هذه الفئة من الخريجين رغم وضوح القرار الذي يشمل خريجي آخر سنتين من عمر الأزمة، وأين الخريجون القدماء من هذا القرار الذين لم يستحوذوا على فرصة منذ تخرجهم قبل سنوات؟!.
إن العمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي، واتخاذ إجراءات أكثر جذرية في عملية الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد الذي بدد الثروة الوطنية على مدى سنوات طويلة، من الصعب حلها دون خطط شاملة تطال الجانب الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوطني، ولن نقضي على البطالة بهذه الطريقة.
يذكر إن الإحصائيات قدّرت عدد العاطلين عن العمل مع نهاية عام 2000 حوالي /600/ ألف عاطل عن العمل، ووصل هذا العدد مع نهايـة العام 2001 إلى /750/ ألف عاطل، وبنهاية عام 2002 لـ/900/ ألف عاطل عن العمل، وفي عام 2005 عند انتهاء الخطة الأولى لمكافحة البطالة أكثر من 1350.000 عاطل عن العمل، ومنذ بداية الأزمة وحتى الآن زاد عن ثلاثة ملايين.