بصراحة: حكومة صلاحياتها غير استثنائية في ظروف استثنائية
الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعصف بالبلاد والعباد، والمرشحة لأن يزداد تأثيرها أكثر فأكثر، جعلت كوادر الحركة النقابية (أعضاء مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال)، يعبرون بصراحة وبقوة عن مواقفهم تجاه السياسات الحكومية الحالية، باعتبارها استمراراً لما سبق من السياسات التي هي جزء أساسي من عوامل تفجر الأزمة الحالية التي تمر بها البلادـ والتي جعلتها على مفترقطرق، وتحمل في منعرجاتها مخاطر حقيقية لا تهدد النظام السياسي فقط بل تهدد الوطن بمجمله أرضاً وشعباً.
لقد كان الموقف النقابي الذي عُبر عنه في اجتماع المجلس الأخير، وما طرحه من مخاوف جدية إذا ما استمر التعاطي مع الأزمة وفقاً لما هو جار على الأرض، قوياً وحاسماً، خاصةً في الجانب الاقتصادي والمعيشي اليومي للطبقات الشعبية المتضررة الأولى والأخيرة من الإجراءات المعمول بها، وهذا الموقف الذي عبر عنه النقابيون هو انعكاس واضح وجلي للمعاناة الحقيقية التي يعيشهاشعبنا منذ بدء تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، ومازال هذا التبني ساري المفعول، والأزمة التي نعيشها الآن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لم تبدل من واقع الأمر بشيء من حيث الإجراءات الاستثنائية بخصوص الوضع المعيشي وتأمين الحاجات الضرورية، والاستثمار الأفضل للموارد الضرورية وتأمينها من مصادر النهب الواسع الذي تعرض له الاقتصادي الوطني، لا بل تساهمالحكومة الجديدة بتوسيع الشرخ الاجتماعي وتعمقه، وتفاقم من معاناة الفقراء نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار الذي ارتفع طوال أسبوعين ما يقارب 25% وفقدان مادتي المازوت والغاز ليس بسبب ندرة وجودهما وإنما بسبب الفساد وسوء التوزيع كما عبر عن ذلك أحد النقابيين في مداخلة في اجتماع المجلس، حيث أوضح مكامن الفساد في القطاع النفطي، وكيف تتم عمليات تهريبالمازوت، ومن المستفيد منها، وهذا الأمر قائم منذ فترة طويلة وبأشكال مختلفة سواء عبر كسر الأنابيب الناقلة لمادة المازوت أو عبر التهريب بواسطة الصهاريج الناقلة له.
الحكومة الحالية بررت أزمة المازوت والغاز بأن فصل الشتاء جاء بغفلة منها، أي فاجأها قدومه!!! لذا كانت استعداداتها ليست بالشكل المطلوب الذي يمنع الأزمة، إذاً الحق كان على الأرصاد الجوية التي لم تزود وزارة النفط بموعد قدوم الشتاء كي تستنفر الوزارة والشركات التابعة لها لتأمين المادة للمواطنين وتمنع حدوث الأزمة التي مازلنا نعيش فصولها عبر مشاهدة الطوابير الطويلةولساعات يقضيها المواطن كي يحصل على جزء ضئيل من حاجته من مادة المازوت أو اسطوانة الغاز!!!.
هناك أيضاً تقنين الكهرباء لفترات تمتد لساعات طويلة في اليوم الواحد، مما ينعكس سلباً على مجمل الحياة اليومية للمواطنين سواء في معيشتهم أو في أداء أعمالهم.. وهو أيضاً نال قسطاً من المداخلات.
إن الحكومة الحالية جاءت في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، ومن المفترض أن تكون مواصفاتها استثنائية من حيث الصلاحيات والقدرات الفعلية التي تمكنها من التصدي لمهامها الملقاة على عاتقها، وقيادة الدفة لحل الأزمات التي تركتها لها الحكومة السابقة حيث لا تحسد هذه الحكومة على ما ورثته من تركه ثقيلة يحتاج حلها للقرار السياسي والاقتصادي العلمي الصائب الذي يفككعناصر الأزمة، ويجد طرق الحل السليمة والصحيحة المعبرة عن مصالح الأغلبية الساحقة من شعبنا.
إن تجربة الأشهر الثمانية من عمر الحكومة الحالية العتيدة أعطى الحق للكوادر النقابية أن تقول بحقها ما قالته، وأن تطالبها بما طالبته، وهذا لم يأت من فراغ، بل استند إلى وقائع دامغة رأى فيها النقابيون مخاطر تهدد مصالح الطبقة العاملة السورية في القطاعين العام والخاص، وهنا لا فرق بين مصالح عمال القطاعين لأن الخطر الذي يتهددهم واحد والظروف المعيشية وتدني مستواها واحد.إن السؤال المستنتج من اجتماع المجلس هو: لماذا صعّد النقابيون موقفهم تجاه الحكومة الحالية؟ أعتقد أن الجواب يكمن في ما يلي:
السياسات الليبرالية الاقتصادية التي لعبت دوراً مهماً في تفجير الأزمة مازال معمولاً بها.
طرح الحكومة مشروعاً لإصلاح القطاع العام اشتم النقابيون منه رائحة الخصخصة لهذا القطاع عبر تأسيس شركات قابضة (حكومية) يحق لها طرح أصوله الثابتة كأسهم للتداول في سوق البورصة.
افتعال أزمة الغاز والمازوت وعدم إيجاد طرق حقيقية لحلها مع أن الإمكانيات متوفرة لذلك.
عدم قدرة الحكومة على ضبط الأسعار وترك الحرية للمحتكرين في التحكم بمصير البلاد والعباد.
عدم القدرة على تأمين الموارد الحقيقية من مصادر النهب الكبير والتهرب الضريبي وتحميل الشعب تبعات نقص الموارد.
ترك مصير عمال القطاع الخاص بيد أرباب العمل ليصل عدد المسرحين من العمال إلى أكثر من سبعين ألف عامل أصبح مصيرهم إلى الشارع دون الإقدام على فعل يدافع عنهم ويحمي حقوقهم.
عدم إعادة المسرحين من عمال القطاع العام وتحت مسميات مختلفة (عمال مؤقتين، عمال مصروفين من الخدمة... إلخ) إلى عملهم رغم الوعود الكثيرة التي أعطيت لهم من أجل إعادتهم.
عدم إعادة العمال المسرحين إلى عملهم على خلفية مشاركتهم بالمظاهرات أو اتهامهم بالمشاركة فيها.
إن الحركة النقابية ومن خلال ما تم طرحه في اجتماع المجلس، تتحمل مسؤولية استثنائية للدفاع عن الاقتصاد الوطني والدفاع عن القطاع العام في مواجهة مشاريع الخصخصة تحت مسميات عدة، لأن طريق إصلاح القطاع العام واضح ويبين لكل وطني همه الوصول بالبلاد السبيل إلى بر الأمان وتأمين المصالح الحقيقية للشعب السوري ومنه الطبقة العاملة السورية، التي جزء منمصالحها الحفاظ على القطاع العام وإصلاحه وتطويره والحفاظ على القطاع الخاص المنتج ومساعدته في أن تبقى عجلة الإنتاج فيه تدور.