وقفة «نقابية» مع الذات.. كيف يتم تحويل الطبقة العاملة ونقاباتها إلى حجر يتسرب منه المضمون؟
إن استبدال النظام الإنتاجي بنظام استهلاكي في مرحلة لم يكتمل فيها نمو الطبقة العاملة، ولم يتحقق لها المستوى المطلوب من الوعي الطبقي، يصبح استبدالاً لوتيرة التحريض المستمرة، بوتيرة إخماد مستمرة. من مخاطر النظام الاستهلاكي على الحركة العمالية، إنه يدفع الوسائل والأهداف إلى نقطة متينة، ويجعلها محتواه بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، فالمجتمعالاستهلاكي يعتمد في ترسيخ سلبياته الاقتصادية على تعميم وإمكانية وهمية للفعالية الاقتصادية للفرد بدلاً من المجتمع،
إنه يحيي مفهوم «العصامية» الشخصية ويوقظ نزعات الانفصام عن المجتمع والطبقة للانطلاق في مشروع فردي «للخلاص». النظام الاستهلاكي يسيطر بقوتين متعاكستين تحصران بينهما الفرد حصراً شديداً هما:
أولاً: قوة التصور للربح السريع والإثراء مهما كان الثمن العقلي والنفسي والأخلاقي.
وثانياً: قوة السلعة المستهلكة التي تحل محل كل القيم والعلاقات الإنسانية.
وفي وضع مثل هذا الوضع الذي نحن به الآن تصبح التجارة والسمسرة والخدمات محور الفعالية الاقتصادية ـ الاجتماعية تستقطب كل النشاطات وتستقطب معها كل الأرباح، وتعطل ما لدى المجتمع من طاقات إنتاجية، ويصيب التحلل والتفسخ كل المجتمع، ويصل إلى البيئة العمالية التي لم يكتمل نموها الطبقي ووعيها الطبقي والثوري، والتي لم يحل فيها الولاء النقابي محلالولاء العائلي والعشائري والطائفي، ويأتي الجو الاستهلاكي ليشكل أخطر المناخات الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك ومن هذا المبدأ بالذات فإن المناخ الاستهلاكي يقضم بأسنانه الحادة الأوامر الطبقية ويحول الطبقة العاملة ونقاباتها إلى حجر يتسرب منه المضمون.