بصراحة:عمال القطاع الخاص بين النقابات وأرباب العمل!
تصاعدت في الفترة الأخيرة حدة الجدل بين النقابات وأرباب العمل حول قانونية تسريح عمال القطاع الخاص، إن كان التسريح تعسفياً أم اضطرارياً؟
فوجهة نظر أرباب العمل تقول إن التسريح الجاري لعمال القطاع الخاص بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد هو تسريح اضطراري ومؤقت، لا يوجب فرض عقوبات على أرباب العمل الذين سرحوا عمالهم كدفع تعويضات للعمال المسرحين وفقاً لما ينص عليه قانون العمل /17/، بينما النقابات تصر على موقفها بأن ما يجري من تسريح هو تسريح تعسفي يوجب فرض العقوباتوالتعويضات المستحقة للعمال جراء التسريح، ولكن النقابات (تتفهم) الوضع العام الذي دفع أرباب العمل لتسريح الكثير من العمال، وبالتالي فهي (اي النقابات) تتهاون بتطبيق العقوبات التي فرضها قانون العمل على أرباب العمل.
إن مشكلة العمال المسرحين وغير المسرحين ليست في سوء تطبيق بعض مواد قانون العمل من جانب أرباب العمل، بل مع قانون العمل نفسه، الذي أوجدته ظروف العمل بتعليمات ونصائح صندوق النقد الدولي الذي لا يعتبر أن هناك عملاً دائماً ومستقراً للعمال، بل العمل الجزئي والمؤقت هو المعمول به، مما يفقد العمال الكثير من حقوقهم الطبيعية التي انتزعوها وجرىالتفريط بها نتيجة قبول النقابات بمثل هكذا قانون يعبر حقيقة عن اقتصاد السوق، الذي يخضع كل شيء لقانون العرض والطلب، حتى قوة العمل التي تحدد أجورها على اساس العرض والطلب، وليس الكفاءة أو طبيعة المهنة.
في مرات عدة حذرت جريدة قاسيون من خطورة تسريح العمال الجارية على قدم وساق، في الوقت الذي كانت الجهات الرسمية وحتى النقابية تنفي أن هناك تسريحاً للعمال، إذ أن هناك مشكلة مع أرباب العمل في تسريح عمالهم، حتى وقعت الفأس بالرأس، وأصبح التسريح يطال الألاف من العمال الذين انضموا مجدداً إلى جيش العاطلين عن العمل باحثين عن فرص عملجديدة، ولكن لا حياة لمن تنادي.. لا النقابات حمت حقوقهم وأهمها حقهم في الاستمرار بالعمل، ولا الحكومة اعترفت بالمشكلة القائمة وخطورتها اجتماعياً وسياسياً، خاصة وأن البلاد تمر بأزمة عميقة تطال كل شيء حتى أنماط التفكير، فأصبح هناك ضرورة بإعادة النظر بكل شيء وخاصةً تلك القوانين التي تمس مصالح الطبقة العاملة، ومنها قانون العمل رقم /17/ الذيفرضته السياسات الليبرالية تلبية لمصالح قوى السوق ورأس المال التي وضعت شروطها وفرضتها حتى وإن كانت على حساب ملايين من العمال لم لا؟ فإن الفريق الاقتصادي والحكومة عموماً كانوا جزءاً من تلك القوى التي عملت بكامل طاقتها وقواها ونفوذها على استكمال هيمنتها الاقتصادية والسياسية تلبية لمصالح ذاك الحلف غير المقدس.
إن ما نود أن نقوله في ما يطرح حول حقوق الطبقة العاملة ومنها عمال القطاع الخاص، إنها حقوق غير قابلة للمساومة أو التنازل عنها، مهما كانت المبررات التي يطرحها أرباب العمل، فهم يستولون على فائض القيمة في الأحوال العادية، وفي الأزمات يتخلصون من العمال باعتبارهم يشكلون عبئاً على نسب أرباحهم التي حققوها، وبالتالي فإن تسريح العمال هو أيضاًمكسب من مكاسبهم العديدة.
إن النقاش الدائر بين النقابات وأرباب العمل حول قانونية التسريح أم عدم قانونيته، وإن كان هل هناك عقوبات مشددة أم عقوبات مخففة كما صرح بذلك أحد القيادات النقابية، فإن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً وهو استمرار انضمام العمال المسرحين تباعاً وباطراد إلى جيش العاطلين عن العمل.
إن ذلك يعني الموافقة على التسريح من حيث المبدأ، سواء بتقديم تعويض للعامل المسرح أو إذا تُرك ليذهب بعدها إلى جهنم الغلاء والبطالة لا ضير من ذلك، فتبعات التسريح لا تناقشها النقابات وما تولده من أثار اقتصادية وسياسية في ظل أزمة مستحكمة تطحن الأخضر واليابس بين رحاها.
إن جملة ما صنعته السياسات الاقتصادية الليبرالية بفتح الأسواق على مصراعيها، وإفقار الفقراء، وزيادة نسب البطالة، وتقليص الخدمات العامة، وما قدمته من تشجيع على إنتاج الفاسدين الكبار الذين مركزوا بين أيديهم ثروات الوطن... إن كل ذلك يحصد نتائجه الشعب السوري فقراً وبطالة وتخلفاً.
إن الحركة النقابية تتحمل مسؤولية كاملة عما آلت إليه أوضاع الطبقة العاملة من فقدانها للكثير من حقوقها ومكاسبها، نتيجة لسياسة الموقف الوسط الذي اتخذته خلال العقود المنصرمة بين الحكومة ومصالح الطبقة العاملة مما جعلها عرضة للهجوم الشرس الذي شنته ومازالت تشنه قوى السوق على مصالحها وحقوقها ومنها حقها بالعمل الدائم.
فهل تعيد الحركة النقابية حساباتها لمصلحة من تمثلهم؟؟