من الأرشيف العمالي : الأجدى... إغلاق أبواب النهب
حينما حذرنا من خطر الليبرالية الجديدة، قصدنا ومازلنا نقصد بالدرجة الأولى تلك القوى في جهاز الدولة التي تسير في هذا الاتجاه دون ضجة إعلامية كبيرة، والتي يكمن خطرها بقدرتها على التأثير في القرار الاقتصادي، والذي تجلى مؤخراً في حملة الخصخصة على «الطريقة السورية» بعرض الشركات على الاستثمار، وبفوضى أسعار السوق بعد تخلي الدولة عن دورها الإشرافي في هذا المجال
وإذا كانت الحملة قد خفتت الآن قليلاً، بفضل مقاومة القوى «النظيفة» في جهاز الدولة والمجتمع، إلا أن هناك بعض القضايا والنقاط التي تثير الانتباه، والتي يمكن أن توحي بأن أنصار هذا الاتجاه يلتقطون أنفاسهم الآن للانطلاق إلى جولة أكبر وأوسع وأخطر.
فقيام بعض الأوساط التي تحسب نفسها أحياناً على «المعارضة» بالدفاع عن الليبرالية الجديدة والتصدي لمن يحذر من خطرها، إنما يؤكد صحة استنتاجنا القديم أن خطوط الاصطفاف في المجتمع السوري أعقد بكثير من ثنائية نظام/معارضة، فها هي بعض قوى «المعارضة» تشن حملة واسعة للدفاع عن نسختها في جهاز الدولة والتي تحاول عملياً ترجمة برنامجها على الأرض، وإن كنا لم نفاجأ كثيراً بمسار الأمور هذا، فالمدهش هو التقسيم الجيد للعمل بين هذه القوى داخل جهاز الدولة وخارجه، والذي «سيتحسن» على الأرجح في المستقبل القريب.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن بعض الوطنيين مازالت لديهم أوهام حول إمكانية الليبرالية الجديدة بتقديم حلول تقدمية لمشاكلنا الملموسة، مأخوذين بتجربة الليبرالية الأوروبية التي ولى زمنها ومكانها.
كما أن استمرار الهجوم على قطاع الدولة، يؤكد مخاوفنا، ولا يفوتنا الإشارة أن موازنة الدولة لعام 2005 والتي يناقشها مجلس الشعب رصدت للموازنة الاستثمارية مبلغاً أقل بـ 37 ملياراً، أي 20% تقريباً من الموازنة السابقة في وقت يتطلب فيه الوضع زيادة الموازنة الاستثمارية بنسبة لا تقل عن 100% لمواجهة الاستحقاقات القائمة لحل مشكلة مستوى المعيشة والبطالة والنمو المنخفض وإذا كان البعض يبرر ذلك بترشيد الاستثمار من أجل تخفيض إمكانية «الشفط» الجاري منها سابقاً من قوى النهب داخل جهاز الدولة وخارجه، فإن السؤال يبقى قائماً وهو: أليس الأجدى إغلاق أبواب النهب وإعادة تدوير هذه الأموال نفسها في العملية الاستثمارية التي تحتاج إليها البلاد أشد الحاجة لكسر مسار النمو المنخفض وتأمين معدلات نمو عالية يتطلبها الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه المرحلة الهامة والخطيرة من حياة البلاد؟!
قاسيون العدد /236/
كانون الأول 2004