السؤال الأساسي!
تعج وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمقرؤة والمسموعة، بتحليلات ومواقف شتى عن كل ظاهرة جديدة تفرض نفسها على جدول الأعمال.
وأمام التبعية العمياء لكل الوسائل الإعلامية لهذه الجهة أو تلك من جهات الصراع الدائرة في عالم اليوم، والصدام الإعلامي الذي يرافق الصدامين العسكري والسياسي الحادين ونظراً لما تمتلكه وسائل الإعلام من قدرة هائلة على التأثير في الوعي فإن المتلقي العادي غالباً ما يكون تائهاً في دوامة الأنباء المتضاربة، في حقيقة موقف هذه الجهة أو تلك، في فهم هذه أو تلك من الظواهر فهماً عميقاً وحقيقياً، فيفقد بذلك أية فاعلية تنطلق من قناعاته الذاتية، من وعيه بمصالحه الحقيقية، وهو الذي وجد نفسه مضطراً للتعاطي مع كل هذه الظواهر كونها تتعلق وبشكل مباشر بحاجاته الأساسية من غذاء ومسكن وملبس، بما فيها قضية وجوده، واستمرار حقه الطبيعي في الحياة، في ظل مهرجانات الدم القائمة!
وسائل الإعلام تتحدث في كل شيء، وتعرض كل شيء، من اللون المناسب للأسرّة في غرف النوم، إلى آخر طرق المتعة الجنسية، إلى الطرق المثلى لتربية القطط والكلاب، إلى الدعاية لهذا المنتجع السياحي أو ذاك، وأرباح هذه الشركة أو تلك، إلى أخبار الحروب وآخر صنوف الأسلحة، وعرض صور الرؤوس المقطوعة، وتصريح هذا الزعيم أو ذاك، لاشي خارج دائرة اهتماماتها، لاشيء يغيب عن كاميراتها، وفصاحة مراسليها، آلاف الأقمار الصناعية مسخرة لتبادل المعلومات، آلاف الأدمغة تعمل على مدار دورة عقارب الساعة للـ«منْتجة» والإخراج والطريقة الأنسب لتصدير المعلومة والخبر وإيصالها إلى المتلقي– المستهلك- كما تتطلب مصالح المالك.. تتحدث في كل شيء سوى الإجابة على السؤال الأساسي في الحياة، السؤال الذين يظهر السبب الحقيقي، وهو من المستفيد؟
فمنذ أن انقسم المجتمع البشري طبقياً، ومنذ أن أخذ هذا الانقسام شكل مراكز وأطراف، مع التبلور المطرد لمعادلة «المستغِل والمستغَل»، وصولاً إلى الصراع الدائر اليوم أصبح السؤال الأساسي الذي يختزل كل قضايا الانسان، ويعبر عن جوهر كل مشكلة وأسبابها الحقيقية هو: من المستفيد من هذه الحرب أو تلك، من هذا الموقف أو ذاك، من هذا القرار أو ذاك، وهذا ما تغيّبه أغلب وسائل الإعلام...!