أنتمي لهم..!
بعيداً عن القبول بالتسميات الموظفة سياسياً وإعلامياً على حلبة الصراع الدائرة في شرق المتوسط، وتوظيفها لخدمة مشاريع التفتيت بات واضحاً بإن محاولات حثيثة تهدد لونين من الطيف المشرقي.
«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»، ثمة من بات وجوده مهدداً مما يوصف بـ«الأقليات الدينية والمذهبية»، على مذبح الموتين: «موت الهجرة، أو الإبادة الجسدية».. فكلاهما موت، طالما يهددان استمرار الوجود في هذا الفضاء الجغرافي والسياسي، بالنسبة لأبناء الطائفة اليزيدية، وأبناء الديانة المسيحية، دون أن نعرف من قد يكون التالي في القائمة..؟!
وبالعودة إلى المصادر التاريخية بما فيها الكتب المقدسة، يلاحظ المتابع ذلك التقاطع والفهم المشترك لدى الثقافات المشرقية، الذي يعود إلى علاقة الإنسان مع الطبيعة، وسؤاله عن الحقيقة والخلاص، بمعنى أن هذه الثقافات هي متكاملة، وتتشابك وتتداخل إلى حد التماهي، بغض النظر عن التفسيرات والتأويلات المختلفة حول حول الخلق والنشوء، أوالتقوقع والتصورات المسبقة المتبادلة المخدمة بالعمق لمصالح ورؤى النخب المروجة لـ«التمايز» والمستفيدة منه، من هنا أو هناك.
إن المستهدف من محاولات إنهاء الوجود ليس المنتمين إلى هذه «المكونات» فقط، بل هو التكامل الحضاري، هو الجذر الثقافي الواحد، أي الوعاء الحضاري الجامع لكتلة بشرية هائلة، في منطقة تزخر بالثروات المادية والروحية.
بعيداً عن الفهم السطحي لـ«نظرية المؤامرة»، ودون تجاهل دور الأداة المنفذة من قوى متطرفة وفاشية، ومظاهر التمييز الديني في «نموذج» الدولة الوطنية، فإن أهم مراحل النزيف السكاني لأبناء هذه «المكونات» تزامنت دائماً، مع قدوم الغرب الرأسمالي إلى المنطقة، ضمن محاولاته التحكم بمصير بلدانها، لتتحول «الأقليات» لكبش فداء، وورقة ابتزاز غربية تفتيتية إضافية، بآن معاً..
إن المشكلة ليست مشكلة المنتمين لهذا اللون أو ذاك، بل هي مشكلة الكل، والتصدي لها ومنع محاولات إفراغ الشرق من تنوع ألوانه هي مهمة كل أبنائه، فهؤلاء جزء أصيل من النسيج الإنساني الحضاري للمنطقة، والمواجهة الجماعية من المكونات السياسية والاجتماعية المشرقية بهذا المعنى هي ردّ واقعي على الزعم الغربي بعدم إمكانية «العيش المشترك»، ونفي واقعي لخرافة «صراع الحضارات»، ففي نهاية المطاف هي حضارة بشرية واحدة في مواجهة الهمجية..