فلم رعب
تعرض شاشات التلفزة بشكل يومي مشاهد القتل والذبح والعنف عن الأزمات الداخلية في بلدان المنطقة، باستخدام مؤثرات سمعية بصرية متكاملة (صورة– موسيقا– فصاحة لافته أثناء التعليق على الخبر) بحيث تستنفر كل حواس المتلقي حتى يبدو المشهد وكأننا أمام فلم رعب
تتركز رسالته «الثقافية» من جهة في إشاعة الخوف من خلال تزويد المتلقي بجرعات متكررة من هذه المشاهد على إيقاع «تكتكة» عقارب الساعة حتى تستكمل دورتها اليومية، ومن جهة أخرى في تقديم صورة نمطية عن شعوب الشرق وووسمها بالوحشية والبدائية وما إلى ذلك، وبالتالي تبرير سلوك من يشعل الحروب.
الأمر ليس عفوياً، ولا هو مجرد سوء تقدير من مالكي وسائل الإعلام، ورعاتها، سواء كانت خاصة تابعة للشركات والنخب المالية، أم رسمية تابعة للدول والحكومات، بل هي، وكما تبدو مدرسة إعلامية بذاتها تشترك فيها أغلب الشاشات، حيث أنها ولو بدت متخاصمة أحياناً فإنها تقود إلى النتيجة ذاتها، وهي فرض ثقافة الخوف على «الجمهور» باعتبار أن هذه «الثقافة» هي إحدى أهم أدوات التحكم به، وتؤمن عملية انقياده بسهولة.
تستخدم غالبية الشاشات هذا الأسلوب المثير في العرض، وإن كان الإعلام الأمريكي هو أول من أسس لهذه «المدرسة الإعلامية» في العقدين الأخيرين، وتحديداً بعد أحداث أيلول التي كانت بمثابة ساعة الصفر في الحرب المزعومة على الإرهاب، والبروباغندا المواكبة لها.
إن هذا «الإرهاب الاعلامي» الذي يُمارس بحق المتلقي، هو انعكاس للبنية الاقتصادية الاجتماعية والسياسية التي أنتجته، وهو تعبير آخر إلى جانب تعبيرات كثيرة أخرى عن الإفلاس الأخلاقي البرجوازي، القائم على ممارسة شتى أشكال الاستلاب بحق الانسان، لاسيما وأن أغلب شاشات التلفزة تستثمر في هذه المشاهد، وتوظفها باتجاه المزيد من الصراعات والحروب، وتوجه الوعي الإنساني ليس بالاتجاه الذي يفتح الطريق أمام حلول حقيقية ويوقف طاحونة الدم، بل لتسريع دورتها، وتبريرها وكأنها قدر لشعوب المنطقة، والأخطر هو ما يتم ترويجه أحياناً بأن ما يجري هو انعكاس لثقافة هذه الشعوب وتراثها، وهي ذاتها التي تُظهر- بعيداً عن الاستلاب- أن لها مزاجاً آخر، ينتظر تحوله إلى إرادة، بالاستناد إلى ثقافتها الأصيلة حتى وإن تشوش وعي البعض منها أحياناً.