محاولات في موضوعة المثقف التابع
يبدو لي أن نظام المثقف التابع ، كان هو النظام الطبيعيّ الذي حدّدَ العلاقة بين المثقف والحاكم : سواءٌ كان ذلك الحاكمُ نبيلاً إقطاعياً ، أو أمير مقاطعة ، دهقاناً ، خاناً ، ملكاً ، خليفةً ، قائد جيش أو جيوشٍ ، كنيسةً أو كنيساً ، رئيسَ حرفةٍ ما ، عميدَ مؤسسةٍ للتعليم ... الخ .
(1)نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال
بالإمكان القولُ إن تبعية المثقف هذه أمرٌ منطقيّ ، باعتبار أن المتبوع هو صاحبُ المالِ والمـآلِ ، هو المرجعية الأولى والأخيرة في التراتبية الاجتماعية / الاقتصادية ، وباعتبار أن ذلك المجتمع القديم لم يفرزْ بعدُ من التفاوت الطبقيّ وعلائق الإنتاج ما يتيح لصنوفٍ شتّى ( بينهم المثقف ) قدراً من الاستقلالية ، والموقف المختلف ولو جزئياً .
لكننا شهدنا ، مع ذلك ، ضيقَ المثقف والفنان ، ومحاولة كسر الطوق : الهروب من الملك إلى الأمير . الهروب من الكنيسة إلى الملك . الهروب من البلد إلى مستعمراته في ما وراء البحار ، وما إلى ذلك من مظاهر التملمُل . وربما نال المتمردَ أذىً ما بعده من أذى : سجناً وتعذيباً ، و صلباً أو حرقاً ( أو بالعقوبتَين في آنٍ ) .
ولدينا من الأمثلة ما يكفي : بشّار بن بُرْدٍ ، وغاليلو .
*
يُعتبَر العراق من المجتمعات الساكنة ، إنه أقرب إلى المجتمعات التي وصفَها ماركس ، بأنها مائيّــةٌ .
بتعبير آخر ، أرى أن تبلور الطبقات الاجتماعية في العراق لا يزال في الطور الأوّليّ . ليس من فرق واضحٍ ، مثلاً ، بين
البروليتاريا ، والبروليتاريا الرثّة . وغالباً ما تلبس البروليتاريا لبوسَ البروليتاريا الرثّة ، كما نشهد الآن بكل وضوحٍ .
الطبقة الوسطى لم تترسّخْ ، البتةَ ، لأسبابٍ مختلفة . والأشكال الاجتماعية المتخلفة الموروثة منذ قرون لاتزال فعّالةً :
بقايا العقلية الإقطاعية ، واندفاع العلائق العشائرية التي جرت محاولة إلغائها تشريعاً ، منذ نصف قرنٍ أو يكاد . إضافةً إلى هذا كله نجدُ أن التفسير الخرافيّ والغيبـيّ للكون والإنسان ، مع ما يستلزمه من ممارسات وطقوس ، هو السائد المتّبَع ، بل هو المتسلط الأكبر .
الأرستقراطية البغدادية القديمة ، بقايا أرستقراطية الحاضرة التاريخية في الإمبراطورية العثمانية ، تلاشتْ مع زحف الريف والأطراف على المدينة الجنينية ، فانتهت هذه الأرستقراطية مع انتهاء المدينة في العراق الحديث .
العراق بلدٌ بلا مدُنٍ .
إنها الطامّة الكبرى !
*
منذ تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات ، شهدْنا اصطفاف المثقف إلى جانب الحاكم ، حتى وإن كان هذا الحاكم أجنبياً ، جِيءَ به مع جنود المستعمِر ، وبعدَ القمع الدمويّ بالنار والغاز السامّ لثورة شعب .
الحاكمُ هو بيتُ المالِ ، وهو المآلُ في الوظيفِ العامّ .
حدثتْ استثناءات :
محمد باقر الشبيبي
محمد رضا الشبيبي
علي الشرقي
الرصافي
الجواهري ...
مِن هؤلاء مَن توقّفَ في منتصف الطريق .
الرصافي مضى في الطريق إلى آخره المأساويّ ، وقضى في الفلوجة مبعَداً .
وكذلك فعل الجواهريّ ، ليُدفَنَ مع زوجته ، في مقبرة الغرباء ، بالسيدة زينب ، من أرباضِ دمشق .
هل اختارَ سركون بولص هذا الطريقَ ، بلا ادّعاءٍ ؟
*
لم يكن الحاكم هو المتبوع الوحيد .
فالأحزاب العراقيةُ يمكنُ إدراجُها في قائمةِ المتبوعِ الطويلة .
ومن المؤلم أن هذه الأحزاب تعاملت مع المثقف والثقافة تعاملاً براغماتياً خالصاً ، تعاملاً ألغى استقلاليةَ المثقف وتأثيرَه في المجتمع العراقيّ .
لجأَ المثقفُ إلى هذه الأحزاب ، هرباً من السلطة ، ليجد نفسه أمام سلطةٍ أشدّ عسفاً من الحكّام الفعليين .
وحين صار الحزب حاكماً مطلقاً بالفعل ( البعث مثلاً ) ، أُلحِقَت الثقافةُ به إلحاقاً ، باعتباره قائدَ المجتمع أيضاً ، فقُضِيَ تماماً على أي إمكانٍ لاستقلالية المثقف ، ونُصِّبَ أمّيّونَ متحمسون قادةً لتنظيماتٍ ومنظماتٍ " ثقافية " .
مثالُ حزب البعث يمكن تعميمُه على الأحزاب الأخرى بلا استثناء .
المثقف يتبع مصدرَ رزقه .
وطُبِّقَ بصورةٍ فاجعةٍ المَـثَلُ القائلُ : جَوِّعْ كلبَكَ يتبعْكَ .
كان الشراء يتمّ بثمنٍ بخسٍ ، نكايةً وتشفّياً .
*
وأخيراً ، جاء الاحتلال ؛ ودخلَ مع دباباته وطائرات نقلِهِ مثقفون عضويّون ، هم الأدلاّءُ المتدرّبون المجرَّبون .
كانت مهمّتهم الأساسُ تمهيدَ طريقِ التعاون بين سلطة الاحتلال والجسم الثقافي العراقيّ المهتريء المنهَك ، الضامر
جوعاً ، والحائرِ في ما رأى من عجبٍ وضنَكٍ طوالَ عقودٍ ...
منظمةٌ ذاتُ تاريخٍ وطنيّ عريق ، مثل " اتحاد الأدباء " ، تنضمُّ إلى هيئةٍ خارج العراق ، يديرُها شخصٌ عيّنه بول بريمَر رئيساً لـما سُمِّيَ " المجلس الأعلى للثقافة العراقية " .
«اتحاد الأدباء" ذاتُهُ يتولّى تقديم استماراتٍ يكون أصحابُها على قوائم الدفع لدى المؤسسة المحلية الكبرى لسلطة الاحتلال ، مؤسسة المؤسسات في " منظمات المجتمع المدني " التي تعمل على تعبئة المثقفين والناس ، لصالح الاحتلال ، وتأطيرهم في خانة الراضين به ، وبحكومته العميلة ، تحت اسم " صندوق التنمية الثقافية " .
رئيس " اتحاد الأدباء " يكتب أطول نصٍّ في حياته ، عن ضرورة التعاون مع الاحتلال وسلطته المحلية العميلة .
ويُسَــلِّمُ دروعاً إلى عملاءَ نُصِّبوا وزراءَ .
البطالة ، بطالة المثقفين ، شاملةٌ .
إن لم تكن أيها المثقف تابعاً ، متَّ جوعاً !
فإنْ صرتَ تابعاً ، تولاّكَ الـخَـرَسُ .
لكَ أن تكتب ، مؤيداً ، عارفاً بالخطوط الـحُمرِ ، تسمّي الاحتلالَ تحريراً ، وتسمّي سلطةَ عملائه حكومةً عراقيةً .
إنْ خالفتَ أتاك ما أتى آخَرين من قبلِكَ : طلقةٌ واحدةٌ في مؤخرة الرأس .
طلقةٌ واحدةٌ في مؤخرة الرأس ، ها هي ذي الرقابة الجديدة .
كان نبيل ياسين في منتهى البراءة حين دافع في " بيت الشِعر " ، في نيويورك ، عن الوضع الحاليّ قائلاً : ليس في العراق رقابةٌ !
*
الزلزال الأعظم .
الزلزال المستمرّ منذ 2003 .
الزلزال الذي يهدد بحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ ...
هذا الزلزال لم يهزّ المثقف العراقيّ التابع .
يا جبل ، ما تهزّك ريح !
*
عقودُ التدمير الذاتي الثلاثة ، وما تلاها من احتلالٍ شرسٍ أجهَزَ على ما تبَقّى ...
هذا كله ، أزالَ ، تماماً ، البِنْـيةَ الثقافية .
لم يَعُدْ في العراق ثقافةٌ وطنيةٌ يُعتَــدُّ بها .
ثمّتَ أنقاضٌ ونقائض فقط .
*
هل من بديلٍ ؟
بالتأكيد ...
البديلُ هو في ثقافة المقاومة ، ثقافة تحريرِ التابعِ !
(2 )
لِمَ الهجرةُ … إذاً ؟
عندما نشرتُ مادّتي عن " المثقف العراقيّ التابع " ، كنتُ أتوقّعُ أن أجدَ لها أصداءَ ، حتى لو كانت تلك الأصداءُ مخالِفــةً ، وهذا أمرٌ طبَعِــيٌّ . أمّا أن تقابَلَ المادةُ بالصمت التام ، بالرغم من عديد قرّائها الكبير ، فأمرٌ كنتُ ظننتُهُ مستبعَداً .
الآنَ أُسائِلُ نفسي عن الوهمِ الذي وقعتُ فيه .
المثقف التابعُ لم يَعُدْ قادراً على النظرِ إلى الداخل ( داخلِه ) ، إذ لم يبقَ لديه من داخلٍ يشكِّلُ مصدراً للقلق والسؤال.
المتبوعُ ، مالاً ومآلاً ، أكملَ دائرةَ التحكُّمِ ، وألغى الكيان المفترَضَ استقلالُه لدى فردٍ كان ينبغي ، بالضرورة ، أن يكون حسّاساً .
أجدُ ، بالتأكيد ، ألفَ عذرٍ ، للمثقفين في العراق المحتلّ ، حيث الموتُ العنيفُ ينتظرُ من يبدي رأياً يخالف السلطةَ
المتحكمةَ نيابةً عن ضباط الاحتلال .
لكني ، ما زلتُ أنتظرُ ممن يعيشون في الـمَهاجِرِ ، قولَ شــيءٍ .
هؤلاء ، على العموم ، يحملون جنسيةَ البلد المضيف ، التي تمنحهم ، فجأةً ، وبجرّةِ قلمٍ ، حقوقاً مدنيةً ، ناضلَ أهلُ تلك البلدان المضيفةِ ربما قرناً وأكثرَ في سبيلِها .
لِمَ لا يستعملُ المثقفُ العراقيُّ تلكَ الحقوقَ ، مفضِّلاً أن يظلَّ تابعاً ؟
هؤلاء المثقفون يشكّلون جمعياتٍ وتجمّعاتٍ تؤيدُ حكومة الاحتلال .
ويقيمون مع سفارات تلك الحكومة أنشطةً ثقافيةً وسياسيةً ، بل ينظمون تظاهراتٍ لصالح الحكومة المذكورة ، ويتلقّون
مبالغَ لقاءَ جهودهم هذه ، ويزوِّرون مجالسَ جاليةٍ بإشراف سفارات حكومة الاحتلال .
أحياناً يتّخذ تأييدُهم طابعاً حادّاً ، بالاعتداء على مجتمِعينَ يخالفونهم في الرأي .
حتى كأن هؤلاء المثقفين التابعين ، كاسرو اجتماعاتٍ أُصَلاءُ ، بينما هم مهاجرون يحملون جنسياتٍ أخرى ، وجوازات سفر أخرى .
المثقف التابع صار متماهياً مع صورته التالية ، لا مع نفسه .
لقد اكتملت عمليةُ الـمَسْخِ .
صار الفردُ الـحُرُّ مِسْخاً .
وهذا ، بالضبط ، مبتغَى الاحتلالِ وعملائه المسلَّطين على البلاد والعباد .
هنا ، ألا يحقُّ للمرءِ التساؤلُ :
لِـمَ الهجرةُ ، إذاً ؟
( 3 )
المثقف التابع : محاولة التماهي مع المستعمِر
في مقالةٍ سابقةٍ ، تحدثتُ عن المثقف التابع ، متماهياً مع المتبوع المحليّ ( وكلاءِ الاحتلال في العراق الحاليّ ) ، وكيف أن هذا التماهي يظل قائماً ، حتى وإن عاش هذا المثقفُ التابعُ في بلدانٍ أوربية مثلاً ، أتاحتْ له فرصة الاستقلال بالرأي والتمتع بحقه في أن يكون فرداً حراً .
غير أننا نجد أنفسنا أمام نوعٍ آخر من المثقف التابع ، نوعٍ يعيش داخل البلد أكثرَ مما يعيش خارجه ، إنْ لم يضطرّ اضطراراً إلى الهجرة .
هذا النمطُ من الناس ، يحاول تقليدَ المستعمِرِ في كل شــيء. إنه يريد الانسلاخَ التامَّ عن بني قومه ، والالتحاقَ التامَّ بالمستعمِر ، لغةً وملبساً وطريقةَ عيشٍ . وهو ، إنْ اضطرَّ إلى العيش خارج البلد المستعمَر ، التحقَ بالرجعيّ والمتخلف في بلد المتروبول ، فتراه
يقف إلى جانب ممثلي الرجعية ، ويرفض دعوات التظاهر لجلاء القوات الأجنبية عن بلاده ، ويصوِّت في الانتخابات لصالح الأحزاب الرجعية ، حتى وإن رفضَها الشعبُ ( البريطانيّ مثلاً ) .
أمّا في داخل البلد المستعمَر ، فتراه يجهد جهداً لا مثيل له ، في محاولة تقليد المستعمِر .
في اللغة : يحاول المستحيل لإخفاء لُـكْنتِه .
في الملبس : يبالغ في التأنق أكثر من المقلَّــد .
في طريقة العيش : يتّبعُ ، بدقّةٍ شديدةٍ ، أصولَ المأكل والمشرب ، وعادات السلوك من تحيةٍ ، وطرائقَ في المناسبات ... إلخ .
باختصارٍ :
لقد ضاق ذرعاً بقومه ، فهم كسالى مقارنةً ، ذوو لغةٍ متخلفة ، قذرون ، مضحكو الثياب ، لصوصٌ ، محتالون ...
وهو يريد أن ينتقلَ إلى الجانب الآخر .
*
لكن الجانب الآخر ، ليس مستعداً للقبول بهذا القادم المتلهف .
المستعمِر لا يسمح له بالاندماج .
سوف يكتشف لُكنتَه ، ويعيّره بها .
سوف يقول له إن ثيابه ليست مناسبةً .
إن رائحةً غير مستحَبّة تنبعث منه .
إن عمله ليس بمستوى عمل المستعمِر .
المستعمِر يضع كل العوائق الممكنة ، كي يمنع المثقفَ التابعَ من الانتقال إلى الضفةِ الأخرى .
*
المثقف الماركسيّ التونسيّ ، ألبير مامي ، يرى هذا الرفضَ طبيعياً .
التساوي يعني إلغاءَ ثنائيةِ المستعمِر والمستعمَر .
التساوي يعني تطبيق قوانين المتروبول على المستعمَرة .
التساوي يعني إلغاء أطروحة التفوق التاريخي أو العِرقيّ أو العُرفيّ .
*
ماذا تبقّى للمثقف التابع ، إذاً ؟
ثمّتَ خيارانِ :
1- الـمُضيّ العبثيّ في محاولة التماهي المستحيل .
2- العودة إلى بني قومه ، والعمل على تحرير البلاد من المستعمِر .
( 4 )
آليّاتُ انمساخِ المثق الحُرّ ، مثقفاً تابعاً
قدمت العقودُ الخمسةُ السابقةُ ، مادةً ملموسةً ، يمكنُ الاستنادُ إليها ، باطمئنانٍ ، في محاولة الإحاطةِ بآليّات تحوّلِ المثقف الحر إلى مثقف تابعٍ ، مع أن هذه الآليات هي من التنوعِ والتعدد ، بحيث تبدو متناثرةً ، لا يجمع بينها سوى ما يبدو مصادفةً محضاً .
أقول: هذه الآليات تبدو متناثرةً ، غير أن خيطاً خفيّاً ينتظمها جميعاً ، خيطاً يؤدي في نهاية الأمر إلى وضع حدٍّ لحرية المثقف واستقلاليته ، ومن ثَمّ إلى الإجهاز على إبداعه .
بالإمكان تسميةُ هذا الخيطِ الخفيّ ، بالغِ الخفاءِ لدقّته ، بالاحتواء التحكّميّ .
الإحتواء ، بالمطلق ، قد لا يكون تحكّميّاً .
هنالك من يهَبُ قضيةً نفسَه ونفيسَه ، فتحتويه القضيةُ ، لكنها لاتتحكمُ به . بل قد يكون ذلك المرء هو المتحكم بالقضية
في طبيعة تعامله معها ، ومعالجتها ، وتقديمها إلى الآخرين . وتُمْكِنُ الإشارةُ هنا إلى أمثال أندرَيه مالرو ، وبابلو نيرودا ، وهادي العلويّ .
أي أن الاحتواءَ هنا ، تحوّلَ ، إلى نوعٍ من الاختيارِ .
الإنسانُ ، هو ، يحتوي القضيةَ .
القضيةُ ، هنا ، إذاً ، لا تحتوي الإنسانَ .
*
لكني ، مَعْنيٌّ في هذا المسعى ، بالاحتواءِ السلبيّ ، احتواءِ التحكُّمِ بالمثقفِ ، والإجهازِ اللاحقِ عليه .
وتَتعيّنُ عليّ ، أوّلاً ، الإشارةُ إلى الدِّمَنِ الحاضنةِ الاحتواءَ السلبيَّ ، والتي أراها أربعاً رئيسةً :
1- الحزب المعارِض
2- الحزب الحاكم
3- المؤسسة الرسمية
4- الأجهزة الأجنبية
*
الحزبُ المعارِضُ ، في تجلّــيهِ العمليّ ، يعتبرُ نفسه حزباً حاكماً بالانتظار ، حكومةَ ظِلٍّ ، سواءٌ كان هذا الظل عالياً أو قميئاً .
هذا الحزبُ يهتمُّ باجتذاب مثقفين إليه ، أعضاءَ أو مؤازرينَ ، لغايةٍ أساسٍ هي إعلاءُ شأنِ الحزبِ ومستوى عـضويّته .
لكن الحزب هو في المعارضةِ ، فهو بحاجةٍ إلى الأخذ والردّ ، والمقالةِ ، والتظاهرة الفنية ، ومن هنا جاءَ الاعتزاز الظاهريُّ بمثقفيه المنضوين تحت رايته .
لكن هؤلاء المثقفين المناضلين ، سرعانَ ما يتمُّ التخلي عنهم ، والتنكيل بهم ، عند أيّ منعطفٍ سياسيّ يفرضُ نوعاً من صفقةٍ أو تواطؤٍ .
لقد تَمَّ الاحتواءُ ، في احتفاءٍ إيجابيّ ، لينتهي إلى احتواءٍ سلبيّ يُجْهِزُ على فاعلية المثقفِ ، ويلقي به في دوّامة العراءِ .
إذ أن هذا المثقف ، قد كان كرّسَ نشاطه وإبداعه لخدمةِ ما ظنّه سبيلاً إلى الانعتاق والتقدمِ ، فإذا به يرى السبيلَ مغلَقاً ، ليس أمامه فقط ، بل أمامَ ما كان يحلم به لصالح الناسِ ، ولقرّائه هو ...
هكذا يبدأ الانكفاء الموجِعُ .
*
الحزبُ الحاكمُ ، قد كان له منذ أمدٍ بعيدٍ مثقفوه ، الذين هم على مسافاتٍ متفاوتةٍ منه ، فيها القريبةُ والمتوسطةُ والبعيدةُ .
المتحكِّمُ في تعيين المسافةِ ، هو مدى الطاعة ، والاستعداد لتقديم الخدمات المطلوبة ، ومن بينها محاربة الخصوم المحليين عادةً .
وبقدرِ استمرارِ الحزب الحاكم ، حاكماً ، تزدادُ شهيّتُه إلى الطاعة والخدمات .
وهو يقدم المغرياتِ لمثقفيه ، لكنه يبرزُ هِراوتَه واضحةً ، أكثرَ فأكثرَ .
ومع الأيام ، و الحزبُ الحاكمُ حاكمٌ ، تهتريءُ ، أكثرَ فأكثرَ ، العلاقةُ بين الحزب ومثقفيه ، فيتعرّض بعضُهم لعقوبات قاسية ، قد يكون الموت من بينها ، وتمسي الكتابةُ الحقيقيةُ ذكرى بعيدةً ، منسيةً أيضاً .
المقرّبون المنعَّمون ، قد تناسَوا أنهم كانوا ذوي علاقةٍ بالإبداع ، واطمأنّوا إلى ما هم فيه من نُعمى وطراوةِ عيشٍ
ومنصب ...
والمبعَدون الخائفون ، صاروا أشدّ خوفاً .
لقد أطبقَ الصمتُ .
والاحتواءُ السلبيُّ أخذ مفعوله .
*
المؤسسةُ الرسمية المحليّة ، على اختلاف الزمان ، والعهودِ ، ظلّت تتمتعُ باستقرارٍ معيّنٍ ، كان مظلّةً ما لمنتسبيها
الذين عرفوا بخبرتهم الطويلة ، مواطئ الخطر والحذر ، فوقّعوا خُطاهم على مقتضيات تلك الخبرة ، وظلوا يمارسون نوعاً من النشاط الإبداعيّ المستمرّ .
إلاّ أن هذه المؤسسة الرسمية ، بتقاليد ثباتها ، وحماية منتسبيها ، تعرّضتْ لزلازلَ عنيفةٍ أطاحتْ خيمةَ سلامِها ، وطوّحتْ بتقاليدِها ذات الرعاية . إنها زلازلُ الانقلابات والتقلُّباتِ السياسية التي رأت دوماً أن الأمّةَ اللاحقة تجبُّ الأمّةَ السابقة جَبّـاً .
هكذا وجد منتسبو تلك المؤسسة أنهم شأن الآخرين ، في عراءٍ تعصفُ به رياحٌ قاسيةٌ ، في مفازة الذئاب ، فألفَوا أنفسَهم في غير ما ألِفُوا . إنهم الآنَ في ممتَحَنِ حكومة الظل ، والحكومة ، تماماً مثل الآخرين .
الاحتواءُ السلبيُّ هنا ، غيرُ مباشِرٍ ، لكنّ النتيجةَ واحدةٌ ، هي إشاعةُ الصمتِ .
*
الأجهزةُ الأجنبيةُ ذاتُ العلاقةِ بالشأن العراقيّ ، كان لها دورٌ تُمْكِنُ تسميتُهُ بالحاسمِ ، في الإجهازِ على ما تبَقّى من حياةٍ في الثقافة الوطنية بعامّـة .
ومثل الحزب الحاكم ، عمدتْ هذه الأجهزة إلى شراء المثقفين العراقيين من مبدعين وعلماء وذوي خبرة ، بالغالي حيناً ، وبالبخس في أكثر الأحيان .
بدأ ذلك منذ ، أوائل التسعينيات ، حين استقرَّ رأي تلك الأجهزة نهائياً على احتلال العراق واستعماره استعماراً تقليدياً يعود إلى القرن التاسع عشــر .
المثقفون المشترَون ، نبحوا ، عالياً ، أوّل الأمر ، في إطراء الاحتلال ، ثم صمتوا صمت القبور ...
أمّا الاحتلالُ ، بعد أن وطّدَ سيطرته ، معتمداً على وكلائه من المتديّنين وعنصريي القوميات غير العربية ، فقد توسّعَ في عمليات الشــراء ، لكن هذا التوسّعَ كان مصحوباً بحملةٍ مستمرةٍ من الاغتيالات التي تهدف إلى اجتثاث ما تبقّى من النخبة الثقافية العراقية ، تمهيداً لأن يَستبدل بها نخبةً جديدةً من إعداده وتدريبه ، نخبةً في طور التكوين ، تدين له بالولاء ، وتعتمده حياةً ، وطوقَ نجاةٍ إن لزمَ الأمرُ .
إنه الاحتواء الأعظمُ الذي ما مثله احتواء !
*
قد يكون العراقُ ، البلدَ الأقسى تجربةً في انهيار الثقافة الوطنية ، بين البلاد العربية .
هــذه الفداحة يتحمّلُ وِزْرَها العراقيون ، ممثَّلين في طلائـعهم التي خانتهم ، ونكّلتْ بهم ، ثم باعت بلـدهم في سوق النخاسة ، بدمٍ لا مثيل لبرودته .
ويتحمّل وِزْرَها ، عالَمٌ متمدنٌ ، بأكمله .
عالَمٌ ظلَّ ، حتى اليوم ، يرسل جنودَه من الأماكن القصية ، ليقتل أبناءَ شعبٍ فقيرٍ وبناتِه .
ماذا بمقدورنا أن نفعل ؟
بمقدورنا الكثير :
أن نقول ... لا الكبرى .
لا ... التي نسينا أن نقولها منذ عقود !
المثقف التابعُ مطروداً
قد يغالي المثقفُ التابعُ في محاولته التماهي مع المستعمِر ، إلى حدِّ الوقوع ضحيةَ ذلك التماهي ، فلا يرِفُّ له جفنٌ ، ولا تبْدُرُ منه بادرةٌ لمراجعة موقفٍ ، أو التفكير بمصيرٍ أفضل له ، ولأبنائه إنْ كان لديه أبناءٌ .
المستعمِرُ نفسُه ، قد يتخلّى عن المثقف التابع ، فيطرده من العمل ، أو يجعل ظروف عمله مستحيلةً ، لكن المثقف التابع يظل متشبثاً بسيده ، بالرغم من الركلات المتتالية التي نالها . بعد انتهاء مهمة الوكالة الاستعمارية ومغادرتها البلد ، يبذل المثقفُ التابعُ المستحيلَ
للمغادرة مع تلك الوكالة ، لكن الوكالة خاضعةٌ لقوانين بلد المتروبول ، وهي لا تستطيع اصطحاب المثقف التابع ، هكذا ...
الظروف المحيطةُ بالمثقف التابع ، في بلده ، لم تَعُدْ مواتيةً . فالناسُ يرفضون ، رفضاً متزايداً ، الاستعمارَ ، ويرفضون أعوانه ، ومن بينهم المثقفُ التابعُ . والناسُ قد يستعملون السلاحَ تعبيراً عن رفضهم . آنذاكَ قد يتعرض المثقفُ التابعُ لخطر القتل أو التهديد المستمر بالقتل ...
يُضطَرُّ هذا ، اضطراراً ، إلى مغادرة البلد ، بلده ، لكنه لفرط ولائه للمستعمِر ، يفضِّل الإقامةَ في بلدٍ قريبٍ ( الأردن مثلاً ) كي يستمرّ في تقديم خدماته للمستعمِر . وقد يدبِّرُ إقامته في بلدٍ ( مثل لبنان ) تحت واجهة مركزٍ للأبحاث أو للتجارة . عددٌ من المثقفين التابعين يشعرون أنهم مطرودون ، بالفعل ، من العراق العربي ، فيدبِّرون لهم ، في أربيل أو السليمانية ، مقراتٍ يمارسون منها نشاطهم الموالي للاحتلال . وربما كسبَ بعضُهم مالاً وفيراً جعله يقيم مراكز " بحث " ، أو يؤسس شركاتٍ تجاريةً مشبوهة المعاملات في أوربا وأميركا وأستراليا وسواها من القارات .
في هذا كله ، لا يشعر المثقفُ التابعُ بأيّ تأنيب ضميرٍ .
في هذا كله ، لا يشعر المثقفُ التابعُ بالقلق .
إنه يزدادُ سقوطاً في حفرةِ وهمهِ .
وهو يرى ، ما هو فيه ، ثمناً للحرية لا بدّ من دفعه !
وإذ يحضرُ هذا المثقفُ التابعُ مؤتمراً أو ندوةً ، يبالغُ في الدفاعِ عن الاحتلال ، إلى حدٍّ يُخجِلُ ممثلي الاحتلال الفعليين أنفسَهم ...
باختصار :
المثقف التابعُ يرى أنه انتقل ، بالفعل ، إلى الضفة الأخرى .
*
لكن ، وكما أسلفْنا في معالجةٍ سابقةٍ ، تجري الرياح بما لا يشتهي .
المستعمِر ، يقطع ، فجأةً ، حبلَ النجاة .
يحرمه الموردَ المخصّص .
آنذاك تَـمْــثُــلُ أمامنا الصورةُ بكل وضوحها :
المثقفُ التابعُ مطروداً !
( 6 )
تابِعو التابعِين !
تَنتجُ عن نظام المثقف التابع ، في مجرى العمل ، ظواهرُ عدّةٌ ، من بينها ظاهرة تابِعي التابعِ .
عليّ ، بدءاً ، القول إن مصطلح تابعي التابعين قديمٌ جداً في موروثنا الثقافي ، بل يعود إلى القرن الأول الهجريّ ، مع تدوين الحديث النبويّ ، إذ كان الحديث الصحيح يؤخَذُ عن الصحابة ، ثم عن التابعين
أي عن تابعي الصحابة ، لكنّ هؤلاء التابعين كانوا يقلّون مع الزمن ، ويُقتَلون مجاهدين في الحروب ، لذلك أُجيزَ أخذُ الحديث عن تابعي التابعين ، أي عمّن سمعوا الحديث من التابعين .
المقصودُ بتابعي التابع في نظام المثقف التابع ، هم الأشخاصُ الذين يعملون لدى مثقفٍ تابعٍ ، يأتمرون بأمره ، ويتلقّون معاشَهم منه ، ويدينون له بالولاء الدائم أو المؤقت ، حسب كل حالة .
كيف صار التابعُ متبوعاً أي ذا أتباعٍ ؟
في الغالب ، يكون هذا الشخص موهوباً في النصْبِ والاحتيال ، سارقاً ، شديد التلوّن والتقلّب ، لا تهمّه الجهة التي تموِّلُه ما دامت تقدم له المالَ أو المنصبَ أو الحماية ، أو هذه الأمورَ مجتمعةً . ربما كان هذا التابعُ الأولُ شخصاً يتمتع بتاريخٍ مرموقٍ أو معقولٍ في السياسة والثقافةِ ، يوماً ما ، لكن تاريخه لم يَعُدْ غير ذكرى بعيدةٍ ، أو أنه صار يُستخدَمُ وسيلةً مضافةً للنصْب والاحتيال وتحقيق المكاسب المادية والوظيفية والاجتماعية ، في مجتمعٍ تخلخلتْ قِيَمُه تحت وطأة هزّاتٍ كبرى .
الإدارةُ الاستعماريةُ ، أو الوكيلةُ ، تَعهَد إلى التابع الأول بمسؤولياتٍ معيّنةٍ ، في الوظيف العامّ ، أو في أنشطة الإتّصال والإعلام ، أو الأمر الأمنيّ . آنذاك يتعَيّنُ على التابع الأول تشكيل مجموعة العمل الأولى من عناصرَ يختارهم هو ، فتتشكّل ، بتشكيلهم ، الكوكبةُ الأولى من تابعي التابع .
قد كنتُ أشرتُ في مادةٍ سابقةٍ إلى أهميةِ التماهي ( مع المستعمِر أو الوكيل ) لدى المثقف التابع .
هذا التماهي سوف يبرز ، بصورة حادّةٍ ، حين يكون للتابع تابعون .
التابعون هم ، سيكونون الأداةَ المستخدَمةَ لتطبيق التماهي .
هذا التابعُ الأولُ ، كما أسمَيناه ، سوف يُطَبِّقُ عُقَدَه على تابعيه المنكودين ، المنكوبين :
الخادمُ ( للمستعمِر والوكيل ) يريد أن يظهر بمظهر السيّد .
إنه يتعالى على تابعيه ، ويشمخ بأنفه إزاءهم .
يعاملهم معاملةً سيئةً ، ويسرق من أجورهم ، ويبذر الفتنة بينهم ، ويجعل واحدَهم يتجسس على الآخر .
يطلب منهم أن يؤدوا مختلف مظاهر التعظيم والإجلال له ، من التحية الذليلة إلى المديح المنافق .
يتقصّدهم فرداً فرداً ، في محاولةِ إلغاء فرديةِ المرء ، وكرامته .
وبالإمكان القول إن العمل لدى المستخدِم الأصيل ، صار أفضل بكثيرٍ من العمل لدى المستخدِم الوكيل ، أي هذا التابع الأول ، التابع ذي التابعين .
*
ماذا ستكون مواقف تابعي التابع ، مع الزمن ؟
من متابعةٍ ملموسةٍ للظاهرة ، يمكنُ القولُ إن تابعي التابع لا يصبرون طويلاً على ما هم فيه . إنهم يتململون شيئاً فشيئاً ، ويشرعون في الجهر بآرائهم المقتصرة ، عادةً ، وتحوّطاً ، على ظروف العمل . ثم يكون التسللُ من الدائرة
إلى دائرة عملٍ أخرى .
إلا أنهم سيظلون يحملون إلى الدوائر الأخرى سلوكياتٍ رديئةً ، في مثل العدوى .
والقليل منهم ، يفلح في أن يستنقذ نفسه من الخراب .
لكنّ عدداً من التابعين يظل مع التابع الأول ، بعد أن أصابهم الخرابُ إصابةً لا خلاص منها .
*
ظاهرة تابعي التابعين ستظل قائمةً ، بل أنها لتتسعُ وتزداد خطراً ، مع انكفاء الـمُثُلِ ، وخفوتِ ألقِ الحرية .
غير أن الوعي الوطني ، وانبعاث الذات العظمى ، كفيلانِ بتحرير تابعي التابعين ، تحريراً نهائياً .
لندن 09.01.2008
( 7 )
المثقفُ التابعُ مُراوِغاً
ســلَفَ القولُ إن المثقف التابع يتكيّف ، في سرعةٍ لا يُحسَدُ عليها ، محاوِلاً أن ينتفع ( ماديّاً ، لا ثقافياً ) من مُقامِه ( الأوربي مثلاً ) . هو يحمِلُ ، في ما يشبه العدوى ، مرضَه الأوّلَ ، إلى الأرض الأخرى .
في تلك المدن وضواحيها ، حيث الناسُ أحرارٌ ، ممتازو التكوين ، متمتعون بمستوىً ماديّ لائق ، ومستقرّون على أسسٍ حضارة عظمى ، هي الحضارة الإغريقيةُ / الرومانية ، أقول في تلك المدن والضواحي يحِلُّ المثقفُ التابعُ ، مجهَّزاً بمرضه الـمُعْدي ، معتمداً وسائلَ يجهلُها الناسُ من أهل البلد :
• تزوير الوثائق - ( شخصٌ لم ينل الشهادة الإبتدائية يقدم شهادة جامعية عليا مزوّرة ) .
• تزوير الإنتماء القومي - ( شخصٌ عربيّ يدّعي أنه كرديّ أو آشوريّ ... إلخ )
• تزوير التاريخ الشخصيّ - ( شخصٌ كان يمارس التعذيبَ ، يقدم قراراً يقضي بإعدامه من محكمةٍ للثورة أو سواها ) .
• تزوير التاريخ الثقافيّ - ( بَزّاخٌ في فرقةٍ منحطّــةٍ للرقص والغناء ، يقدم نفسَه باعتباره شاعراً مرموقاً ) .
• تزوير التاريخ السياسيّ - ( أشخاصٌ في حماية عديّ صدّام حسين نالوا بالتزوير جوائز عن حرية الفكر ! ).
لا أريد ، بل لستُ مستطيعاً ، أن أعدد موبقاتِ المثقف التابعِ كلَّها، غير أني أستطيع القولَ صراحةً إن المثقف التابع استطاعَ أن يحتلّ ساحةَ المهْجرِ،
وأن يكون هو الممثل المزوَّر لثقافةِ بلدٍ أسهَمُ هو ( أي التابع ) في خرابها ودمارِها.
بلدٌ مثل الدانيمارك ، كانت له قوّةٌ عسكريةٌ تقتل أبناء الشعب العراقي.
المثقفون التابعون هناك ، وهم حثالةٌ حقيقيةٌ ، صاروا تراجمةً للقوات التي تحتلّ بلدهم !
وبين هؤلاء من يتباهى بأنه يمثِّلُ الدانيمارك في الأنشطة الثقافية الدولية !
شخصٌ ، كان بالفعل ، وبالمسدّس الضخم المتدلّي من حزامه ، من أفراد الحماية لعديّ صدّام حسين . وفي عمّان كان يدير بؤرة المخابرات العراقية المسماة كاليري الفينيق ...
هذا الشخص نفسه صار يدير " منتدىً للحوار العربي – الأوربي " ، وينظم مع السلطات السويسريبة لقاءاتٍ " ثقافية " .
بعثيّون قتَلةٌ فاسدون ، صاروا في هولندا ( مثلاً ) يديرون ما يسمّونه بيتاً عراقياً !
في أستراليا ، يتولّى المثقفون التابعون تسويقَ حكم العملاء ، وتسويغَه ، وينظِّمون اللقاءات والتجمعات لهذا الغرض .
في الولايات المتحدة الأميركية يجري الأمرُ نفسه .
في السويد ذات التاريخ العريق في الدفاع عن الحرية ، يؤطِّرُ المثقفون التابعون ، الجاليةَ العراقيةَ ، في جمعياتٍ تأتمرُ بأوامر حكومة الاحتلال .
وفي بلجيكا يحاول المثقفون التابعون إيصالَ الصورةِ التي لديهم فقط إلى الشعب البلجيكيّ .
حين توفّيتْ نازك الملائكة ، فهمتُ من لميعة عباس عمارة أنها ستشارك في مناسبة عن نازك دعتْ إليها سفارة النظام ، واستفسرتْ مني إنْ كنتُ أودّ المشاركة . قلتُ : لكنهم قتلةٌ يا لميعة !
قالت لي بطريقتها : عيني سعدي ... الكلّ قتَلة !
في برلين ، استولى المثقفون التابعون على نادي الرافدَين العراقيّ ، وتولّى حملةَ الاستيلاءِ أشخاصٌ تابعون حقاً من أمثال كاظم حبيب وسواه .
في لندن يتولّى نبيل ياسين مهمّة تجييش " المثقفين " وإرسالهم إلى بغداد لتأييد الطغمة العميلة .
المثقف التابع بدأ مراوِغا ... يتفادى الضربة .
أمّا الآن فقد أمسى القوّةَ الضاربةَ ، المستخدَمة من جانب الاحتلال ووكلائه المحليين .
لندن 17.01.2008