السؤال عن ثقافة جديدة
حالة العجز والانقسام والتناثر الذي تشهدها البنى السياسية السورية التقليدية بمختلف مواقعها على وقع الزلزال الحالي وما قبله طالت وتطول الوسط الثقافي والمؤسسات الثقافية أيضاً،
حيث تنشر وسائل الإعلام بين الفترة والأخرى أخباراً عن تشكيل «ثقافي» جديد (رابطة – تجمع)... يحاول تقديم مقاربة ما للأزمة السورية وأهمية ودور الثقافة في ترميم حالة الدمار المادي والروحي الذي تتعرض له سورية.
لاشك أن هذا «الحراك الثقافي» هو في العمق امتداد للهاجس السوري العام بضرورة تجاوز المأساة السورية، بغض النظر عن نوايا من يبادر إليها ومن يمولها ومن يرعاها، وكيفية توظيف هذا الحراك لاحقاً ولمصلحة من؟
ولكن مع الأسف يتسم قسم أساس من هذه المبادرات بأنه ظلال للانقسام السياسي القائم في البلاد بهذا المستوى أو ذاك وفي ذلك مقتلها كما نعتقد، ناهيك عن أن بعضها قائم بالأصل شكلاً ومضموناً على أساس التكوين الاثني أو المذهبي، وبالتالي تصبح مثل هذه المبادرات جزءاً من المشكلة على عكس الدور الافتراضي المطلوب منها، وحتى عكس خطابها المعلن أحياناً!
بعيداً عن أي فصل تعسفي بين السياسي والثقافي كما درجت العادة عند بعض ممن يعتبرون أن الثقافة معلقة في الفراغ ولا علاقة لها بالسياسة بعيداً عن كل ذلك، فإن الدور المنوط بأي فعل ثقافي جدي اليوم يجب أن يكون خارج معادلة الثنائيات الوهمية السياسية التي فرضت على المشهد السوري، فالحراك الثقافي الحقيقي والمطلوب اليوم يجب أن يكون عابراً للانقسام الراهن ووطنياً جامعاً وذا موقف واضح من ضرورة الخروج الآمن من الأزمة، حتى يتأهل للقيام بالدور الوظيفي المطلوب منه، وتجنّب الإغراق المعهود من بعض النخب الثقافية في توصيف المشهد وتحميل المسؤولية لهذه الجهة أو تلك وحدها بلغة وخطاب أخلاقي ووجداني، يستنفر المشاعر والغرائز، والاتكاء عليه في تعميق الاستقطاب المشوه والملتبس أصلاً.
لاشك أن الحديث عن «ثقافة جديدة» أو ثقافة سورية الجديدة هو تعبير عن حاجة موضوعية، كما هو الأمر في الاقتصاد والسياسة ولكن مثل هذه الثقافة يجب أن تقطع مع الخواء الثقافي الذي كان محكوماً بالتغريب أو التكفير واتسم بالنخبوية والفوقية والارتزاق والتواصل مع البيئة التي تمد هذه الثقافة الجديدة بالحياة أي «الثقافة الشعبية» والضمير الجمعي.