«منارة» والشعر المحكي
منار ديوان شعر محكي للشاعر الزجال صلاح الدين الشوفي، صدره بكلمة لأمين سر جمعية الزجل، وضم بين دفتيه اثنتين وتسعين قصيدة، وهذا يعني أن مجمل القصائد قصيرة، وفعلاً فقد نجد قصيدة في أربعة أبيات.
الزجل شعر ولكنه يكتب بالعامية، ويمثل الزجل روح الحياة اليومية، وهي أغنية من نوع خاص، أغنية ملأى بالشفافية والرقة والجمال، وهناك زجالون زجلهم أجمل بما لا يقاس من الشعر الفصيح، كالشاعر اللبناني ميشيل طراد وغيره. الزجل لغة الوجد، لغة السحر التي ترقص في سماء الروح وتنعشها وتطير بها إلى ابعاد وأبعاد.
فماذا نرى عند زجالنا في «منارة»؟ أولاً عنوان المجموعة عنوان عادي، وكذلك كل عناوين القصائد عادية رغم ما في فضاءات الزجل من عناوين، فالزجل كالشعر الفصيح يتطلب العنوان الجيد المميز الذي يساهم في رفع سوية القصيدة فنياً ويعطي صوراً جديدة.
وفعل الشاعر خيراً في تقصير قصائده حذراً من تكرارات المعاني أو الكلمات، ففي قصائده لا نجد إلا القليل من التكرارات.
في زجل الشاعر في منار حوالي /65/ قصيدة عادية ومباشرة، هناك وعظ وإرشاد ممجوجان لا يصح إيرادهما في الزجل، فالزجل حالة شاعرية عالية، فمثلاً من قصائد الوعظ والإرشاد قصيدة «كرسي» صفحة /19/ إذ يقول:
يا ماسك الكرسي/ متمسك بها لجاه/ بفديك بنفسي / بس الملك لله.
وقصائد الوعظ تعني أن ما يقوله الشاعر معروف لدى الناس، فهو لم يأت بجديد، والوعظ يعني التعليمية وهي لغة ممجوجة في الفصيح والمحكي وفي المحكي أكثر.. وعدد هذه القصائد في المجموعة هو ست قصائد وهناك حوالي ثلاثين قصيدة من القصائد الشفافة والجميلة بل والراقية، إذ فيها صور جميلة جداً وفيها رقة. حين نقرؤها نستشعر عالماً فيه نشوة وحنين إلى الأحلى، وفيها حب وبوح وبحث دائب عن الأجمل.. لنقرأ هذه القصيدة:
غفيت حكايا العين/ سالت على الخدين/ غطيت حالي بالعطش ونسيت/ أنو الفرح فرحين.
وهذه القصيدة:
برداني فوقي عالشمس / بتلاقي عباد الشمس
عم بيدور هالأيام/ شربان الحلم من شفافك/ سكران/ مضيع سكران..
في القصيدتين صور جميلة شفافة، فإغفاءة الحكايات حكايات الاعين، تسيل على الخدين، تسيل وهي ملأى بجماليات نتذوقها، جماليات ترجل بنا عبر دروب ودورب، تحاورنا ونحاورها، ويسأل إن كنت (بردانة) فادخلي إلى الشمس، بمعنى اقعدي في مكان تجلله الشمس، وستجدين عباد الشمس بزهره الأصفر الجميل.. وهو يسرب الحلم من شفافك الجميلة وسيسكر فيها.
ومن القصائد الجملية جداً في المجموعة قصيدة (شمعتي)، ففيها صور شفافة عالية، فهناك (الليلة العتيقة) الليلة القديمة بما تحمله من جماليات، فهي بلا كهرباء وسراج، وهناك شهقة البحر العميقة التي تحمل الأيام بكل ما فيها تحمل الزمان والآتي، تكتشف لوحات لما تكشف بعد:
يا سنديانة شمعتي/ بليلي عتيقة/ يا شهقة البحر العميقة/ يا حليب الشمس لما العشق/ لما يزر عني حقيقة/ يا خمرتي جوا لسما/ ناحي لعندك هدهدو/ كتر الحرمان.
جمل شعرية مكثفة ترسم صوراً عميقة، تبتعد عن السطح، تغور في الأعماق البعيدة، نتذوق فيها جماليات مبتكرة عالية.. وفي المجموعة قصائد فيها تأمل وتقص فيها روح باحثة متفرسة.. بعض القصائد فيها متعة وتشوق تشد القارئ إلى متابعتها والاستعادة..