الرأسمالية الطُفيليّة: كيف يُقوض جشع الاحتكارات الديمقراطية ويُفكك النسيج الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين

الرأسمالية الطُفيليّة: كيف يُقوض جشع الاحتكارات الديمقراطية ويُفكك النسيج الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين

في عالمنا اليوم، تتجلى مفارقة صارخة تختزل مأزق الرأسمالية المعاصرة: بينما تصل أرباح كبرى الشركات العالمية، خاصة الأمريكية منها، إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، نجد أن الاستثمار الإنتاجي في الاقتصادات المتقدمة في تراجعٍ مُطّرد، والنمو العالمي يعاني من الركود والتباطؤ، وتتسع هوّة التفاوت بين البشر إلى مستويات تُقوض أسس التعايش الاجتماعي. هذه المفارقة ليست حصيلة الصدفة، أو «قوى السوق» المجردة، كما يُروّج أحياناً، بل هي العَرَض الظاهر لتحوّل جوهري وخطير في طبيعة الرأسمالية ذاتها. لقد تحولت من نظام كان يقوده– نظرياً على الأقل– حافز الربح عبر الإنتاج والابتكار والكفاءة، إلى نظام «طفيليّ متحول» تَسُوده آليات استخراج «الريع الاقتصادي»، أي الثراء من خلال الاحتكار والامتيازات والهيمنة على جهاز الدولة، وليس من خلال المنافسة الشريفة والإبداع المنتج.

د. جياتي غوش
(مقتبسة عن محاضرة روبرت هيلبرونر في نيويورك)
مقدمة: مفارقة عصرنا

هذا التحول لا يُهدد العدالة الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل يُقوض أسس الديمقراطية الجوهرية ذاتها، مقدماً إجابة واضحة عن سؤالٍ مُلحٍّ: ما علاقة الرأسمالية بالديمقراطية اليوم؟ الإجابة، للأسف، هي أن الرأسمالية في صيغتها الحالية المتحولة لم تعد متوافقة مع الديمقراطية الجوهرية، بل إن منطقها التراكمي الجديد يعمل على تفكيكها من الداخل، محولاً المواطن الفاعل إلى مستهلك سلبي، والدولة الحامية للمصلحة العامة إلى حارس لمصالح نخبة طفيلية ضيقة.


الجزء الأول: الوهم الكبير.. الرأسمالية ليست «سوقاً حراً»


يسود اعتقاد خاطئ ومضلل بأن الرأسمالية في جوهرها تعني «انحسار الدولة» لصالح «السوق الحر». لكن الحقيقة التاريخية والتحليلية، كما أوضحها الاقتصادي روبرت هيلبرونر ومنظّرون آخرون، هي أن الرأسمالية لم توجد قط، ولم تكن لتصمد، دون الدولة. فالدولة هي التي تخلق القوانين والأطر التنظيمية التي تحمي الملكية الخاصة، وتُجسّد الثروة في شكل أصول قابلة للتبادل والتملك والتراكم. بدون هذه الركيزة القانونية والسيادية، لا وجود للرأسمالية. بعبارة أخرى، لطالما كانت الرأسمالية «مشروع دولة» منذ نشأتها؛ فهي نظام سياسي – اقتصادي في آن واحد.

لكن هذه العلاقة العضوية لا تبقى ساكنة، بل تتطور بشكل جدلي. فمع عملية التراكم المستمرة، تتركز الثروة في أيدي قلة من الشركات العملاقة، التي تكتسب بدورها طاقة هائلة لنفوذ غير مسبوق. هنا، لا يقتصر دور الدولة على مجرد تمكين رأس المال، بل يتم «أسرها» أو «الاستيلاء عليها» لتصبح أداة طيعة في خدمة مصالح شريحة ضيقة من رأس المال الكبير. هذه العلاقة التكافلية بين السلطة الاقتصادية المفرطة، والسلطة التنظيمية والتشريعية للدولة، هي الوقود الذي يغذي «الرأسمالية الطفيلية المتحولة». إنها حلقة مفرغة: الثروة تخلق النفوذ، والنفوذ يسن القوانين التي تولد المزيد من الثروة الريعية.


الجزء الثاني: ما هو «الريع الاقتصادي»؟ من ريكاردو إلى ماركس إلى عصر البلاتفورمات


ليس «الرّيع» مجرد أرباح عالية أو مؤقتة. في الاقتصاد الكلاسيكي، ينشأ الرّيع، كما قال ديفيد ريكاردو، من الندرة الطبيعية. فاختلاف خصوبة الأراضي يؤدي إلى «ريع تفاضلي» لمنتجي الأراضي الأجود. لكن كارل ماركس قدم مفهوماً أعمق وأكثر دلالة هو «ريع الأرض المطلق»، الذي ينشأ ليس بسبب جودة الأرض أو تفوق الإنتاجية، بل ببساطة بسبب احتكار ملكيتها. مجرد امتلاك شيء ما ومنع الآخرين من الوصول إليه، يخلق قوة لاستخراج فائض قيمة إضافي، حتى لو كانت الأرض ذات إنتاجية متدنية.
هذا المفهوم – «الرّيع الناشئ عن الاحتكار بفضل الحق القانوني» – هو المفتاح لفهم رأسمالية القرن الحادي والعشرين. فالرّيع اليوم لا يأتي من احتكار الأرض فقط، بل من احتكارات أحدثها القانون وسياسات الدولة نفسها:
احتكار المعرفة: عبر أنظمة براءات الاختراع المفرطة في الحماية، والتي تحولت من أداة لتشجيع الابتكار إلى سياج احتكاري يمنع المنافسة، ويحجر على المعرفة.
احتكار المنصات الرقمية والبيانات: حيث تتحكم شركات قليلة في البنى التحتية للعالم الرقمي وفي بيانات المستخدمين التي أصبحت أغلى من النفط.
احتكار القطاعات المالية: عبر عمليات «التحرير» المفرط التي سمحت بابتكار أدوات مالية طفيلية تعمل كطواحين هواء تستخرج الثروة من الاقتصاد الحقيقي.
الاحتكارات التقليدية: التي تدعمها قوانين مكافحة الاحتكار الضعيفة، أو المُطبّقة بازدواجية.
إذاً، الرّيع المعاصر هو نتاج
«قوة السوق» و»قوة الدولة» معاً. إنه الثراء الناتج عن الامتياز القانوني والهيمنة التنظيمية، وليس بالضرورة عن الإبداع، أو الكفاءة، أو الإنتاجية. إنه، باستعارة من يانيس فاروفاكيس، يشبه «التبعية الإقطاعية» حيث ندفع الجزية للبارونات الجدد– بارونات التكنولوجيا والمال– مقابل العيش في ممتلكاتهم الرقمية والاقتصادية.


الجزء الثالث: تشريح الوحش.. البيانات تكشف عن اقتصاد الرّيع


لننظر إلى الصورة التي ترسمها البيانات الاقتصادية، والتي لا تترك مجالاً للشكّ في تحول طبيعة الرأسمالية:
1- هيمنة شبه كاملة للشركات الأمريكية: تشير بيانات من شركة «ماكنزي» عن أكبر 4000 شركة عالمية إلى قفزة مذهلة. فبين فترتي 2009-2005 و2019-2015، قفزت حصة الشركات الأمريكية من إجمالي أرباح هذه الشركات من 50% إلى 77%، بينما انكمشت حصة الشركات الأوروبية من 34% إلى 21%، وانهارت حصة بقية العالم (بما في ذلك الصين الديناميكية المنتجة) من 17% إلى 2% فقط، هذه ليست هيمنة عادية، بل هي احتكار شبه كامل للربحية العالمية، يشير إلى قدرة غير طبيعية على استخلاص القيمة من الاقتصاد العالمي.

2- تركيز غير مسبوق في يد حفنة من الشركات: الأكثر إثارة للقلق، هو ما يحدث داخل دائرة النخبة هذه. فأكثر 500 شركة ربحية بين تلك الـ 4000، زادت حصتها من إجمالي الأرباح من 82% إلى 97%، الأكثر دلالة أن هذه الزيادة الهائلة في الأرباح لم تأتِ من زيادة حصتها السوقية (التي تراجعت قليلاً في الواقع)، بل من قدرة هائلة على تحقيق هوامش ربح خيالية تتجاوز أي معايير طبيعية. دراسة للأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تشير إلى أن 40% من أرباح أكبر 100 شركة في العالم هي «أرباح فائضة» – أي أنها تتجاوز بكثير معدل الربح المعياري في قطاعاتها. هذه «الأرباح الفائضة» ليست سوى «ريع» مُمأسس ومستدام، وليست نجاحاً عابراً في السوق.

3- مفارقة الربح والاستثمار: نهاية حافز الرأسمالية التقليدي: إذا كان الربح هو الحافز المركزي للاستثمار، كما تزعم النظرية الاقتصادية السائدة، فلماذا نرى معدلات الاستثمار في الاقتصادات المتقدمة ذات الربحية القياسية (كالولايات المتحدة) وهي في تراجع مُطّرد، أو راكدة عند مستويات متدنية؟ تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة تتراوح حول 20-25%، بينما نراها تتجاوز 40% في الصين، التي تدفع عجلة النمو والابتكار العالمي. الشركات الأمريكية، رغم أرباحها الطائلة، لا تستثمرها في الإنتاج والابتكار بنفس الحماس، لأن طرق كسب الرّيع – عبر إعادة شراء الأسهم، والمضاربات المالية، وفرض الأسعار الاحتكارية – أسهل وأسرع وأقل مخاطرة من الاستثمار الإنتاجي طويل الأمد. لقد انفصلت الربحية عن الإنتاجية.


الجزء الرابع: آليات توليد الرّيع.. كيف تخلق الدولة الوحش الذي يلتهمها


ليست «التكنولوجيا» وحدها المسؤولة عن هذا التركيز المهول، كما يحاول البعض الترويج. المحرك الأقوى هو السياسات والقوانين والاتفاقيات الدولية التي صُممت خصيصاً لتحقيق هذا التركيز وحمايته. إليكم بعض الأمثلة الحيوية:
1- احتكار المعرفة: تحويل الإنسانية إلى سلعة: تحولت حقوق الملكية الفكرية من أداة محدودة لتشجيع المخترع إلى سياج احتكاري هائل يحجر على المعرفة الإنسانية. اتفاقية «تريبس» التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وما تلاها من اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، فرضت قيوداً عالمية على نقل المعرفة والتكنولوجيا. هذا لا يرفع أسعار الأدوية بشكل جنوني، ويحدّ من القدرة على مواجهة الأوبئة (كما رأينا جلياً في أزمة كوفيد-19) والتحديات الوجودية كالتغير المناخي فحسب، بل يخلق تدفقات ريعية هائلة لشركات «بيغ فارما» و»بيغ تيك»، التي تتحكم في مصائر الشعوب من خلال احتكارها للبرمجيات والبيانات والعلاجات.

2- التمويل: وكر الطفيليين الأصلي: يُعتبر القطاع المالي النموذج الأصلي للرأسمالية الطفيلية. فعمليات «التحرير المالي» المتتالية منذ ثمانينيات القرن الماضي سمحت بابتكار أدوات مالية معقدة وخطيرة، ومضاربة محمومة تخلق تقلبات عنيفة في أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة. هذه التقلبات لا علاقة لها بالعرض والطلب الحقيقيين، بل هي من صنع المضاربين في البورصات العالمية، مما يدر أرباحاً طائلة على عدد قليل من كبار المضاربين والمؤسسات المالية، بينما يجوع الملايين من الفقراء في أنحاء العالم. كذلك، فإن تحويل أنظمة المعاشات التقاعدية من أنظمة توزيع تضامنية إلى صناديق استثمارية خاصة، وفرض النمط الاستهلاكي القائم على الائتمان والديون، كلها آليات لاستخراج الرّيع من جيوب العامة والعمال، لصقل طبقة جديدة من الوسطاء الماليين الذين لا ينتجون شيئاً.

3- تهريب الضرائب: الإفلات من المسؤولية الوطنية: تم تصميم النظام الضريبي العالمي في عصر لم تكن فيه الشركات متعددة الجنسيات والملاذات الضريبية بهذه القوة والانتشار. اليوم، تسمح القوانين والاتفاقيات الدولية للشركات العملاقة بنقل أرباحها– التي هي في جزء كبير منها ريع – ببراعة محاسبية وقانونية إلى ملاذات ضريبية، حيث تدفع ضرائب ضئيلة أو معدومة. هذه ليست «ثغرة» يحتاج إلى سدها، بل هي نظام ضريبي عالمي مُعاد تصميمه بعناية بضغط من أصحاب النفوذ، محوّلاً العبء الضريبي من كبار المستفيدين من النظام إلى كاهل الطبقة الوسطى والعاملة والقطاعات المنتجة المحلية.

الجزء الخامس: الديمقراطية على محك التصفية


هذه العملية الاقتصادية لها تداعيات مدمرة وطويلة الأمد على النسيج الاجتماعي والديمقراطية السياسية. فعندما تتركز الثروة بهذا الشكل الفلكي، تتركز السلطة السياسية تلقائياً وبشكل حتمي. فالقادرون على تمويل الحملات الانتخابية، وإدارة جماعات الضغط الهائلة، والسيطرة على وسائل الإعلام الرئيسية، وتشكيل الرأي العام، هم نفسهم المستفيدون من نظام الرّيع هذا. في هذه الحالة، تصبح الديمقراطية
التمثيلية مجرد طقوس انتخابية شكلية وفارغة، بينما تُتخذ القرارات الحقيقية التي تحدد حياة الناس في الغرف المغلقة بين كبار رجال المال والساسة. الشعب يختار من يحكمه شكلياً، لكن رأس المال هو من يحدد خيارات الحكم وسياساته جوهراً.
ينتج عن هذا الوضع سخط عام عميق وإحساس بالغبن والخيانة. عندما تفقد الديمقراطية قدرتها على تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعندما يرى المواطن أن صوته لا يغير من واقعه شيئاً، يخيب أمله، ويفقد الثقة في النظام السياسي برمته. هذا الفراغ القيمي والسياسي هو التربة الخصبة لصعود الشعبويين والاستبداديين والديماغوجيين، الذين يعدون بـ «هزيمة النخبة» و»استعادة السيادة»، لكنهم في الحقيقة– وبشكل متزايد– يخدمون مصالح أوليغارشية رأس المال الكبير بأسلوب أكثر قسوة وصراحة، مستبدين بالحريات ومهاجمين مؤسسات المجتمع المدني.

هنا نرى تناقضاً صارخاً مع المقولة الليبرالية التقليدية التي كانت سائدة في القرن العشرين، والتي زعمت أن الرأسمالية والديمقراطية توأمان لا ينفصلان. بل إن بعض عمالقة التكنولوجيا والتمويل اليوم، مثل: بيتر ثيل، يعلنون صراحة أن الحرية (والمقصود بها حرية رأس المال المطلقة من أي قيد) لم تعد متوافقة مع الديمقراطية! إنهم يحلمون صراحة بإنشاء كيانات قانونية وسياسية جديدة (كالمناطق الإدارية الخاصة، أو المدن الذكية المستقلة) تتحرر من كل قيود المساءلة الديمقراطية وحقوق العمال والضرائب التصاعدية.


الخاتمة: هل من مخرج؟ إصلاح النظام أو تجاوزه...


مواجهة هذا المشروع الطفيلي تتطلب جرأة فكرية وسياسية غير مسبوقة. فالتغلب على الرأسمالية ذاتها هو الهدف الأسمى والاستراتيجي لأي مشروع تحرري حقيقي، لكن البشرية لا تملك ترف الانتظار حتى تحقيق هذا الحلم. هناك خطوات عاجلة وحاسمة يمكن، بل ويجب، اتخاذها داخل الإطار القائم لإنقاذ ما تبقى من ديمقراطيتنا وإنسانيتنا وثرواتنا المشتركة. الحل يكمن في تبني نهج ذي شقين متكاملين، يعالج المشكلة من المنبع ثم يعالج آثارها:

1- إعادة التوزيع الأولى (Predistribution): معالجة المنبع: أي العمل على منع تكون الرّيع والتفاوت الفاحش من الأساس، بدلاً من محاولة علاجه لاحقاً. هذا يعني:
- تفكيك الاحتكارات: تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار بقوة وحزم على المستويين الوطني والعالمي، وتفكيك الشركات العملاقة التي أصبحت تهدد السوق والدولة معاً.
- إصلاح جذري لأنظمة الملكية الفكرية: تحويل هذه الأنظمة من أدوات احتكار إلى أنظمة تدعم الابتكار المفتوح، وتضمن أن المعرفة– خاصة تلك الممولة بالمال العام– هي منفعة عامة عالمية.
- كبح جماح الطفيليين الماليين: إعادة تنظيم القطاع المالي بشكل صارم، وحظر الأدوات المالية الطفيلية، وفرض ضرائب على المعاملات المالية الدولية، وإعادة بناء الأنظمة المصرفية لخدمة الاقتصاد الحقيقي.
- العدالة في سوق العمل: ضمان حصول العمال على أجور عادلة، ودعم حقهم في التنظيم النقابي والإضراب، لضمان أن يحصلوا على حصة عادلة من الثروة التي ينتجونها بأيديهم وعقولهم.

2- إعادة التوزيع (Redistribution): معالجة الآثار والعدالة الاجتماعية: معالجة التركات الهائلة للتفاوت عبر النظام الضريبي والإنفاق العام. هذا يتطلب:
- ثورة ضريبية عالمية: إصلاح النظام الضريبي العالمي جذرياً، وإنهاء عصر الملاذات الضريبية، وإجبار الشركات متعددة الجنسيات والأفراد فائقي الثراء على دفع حصتهم العادلة من الضرائب، عبر فرض ضرائب تصاعدية على الثروة والدخل والتركات.
- إعادة توجيه الثروة: توجيه هذه الإيرادات الضخمة لتمويل وتوسيع الخدمات العامة الشاملة– الصحة، التعليم، النقل، السكن، البحث العلمي– التي توفر شبكة أمان اجتماعي حقيقية للجميع، وتحقق الكرامة الإنسانية.
هذه الإصلاحات الجذرية لا تتطلب خبراء اقتصاد فحسب، بل تتطلب إرادة سياسية جريئة وتغييراً في موازين القوى. لكن هذه الإرادة لن تولد من فراغ داخل قصور النخب الحاكمة. إنها تحتاج إلى صحوة مجتمعية عارمة، إلى تحركات شعبية عابرة للحدود، وإلى وعي جديد يرفض أن يكون الإنسان مجرد أداة في آلة استخراج الرّيع الطفيلية، أو رقماً في حسابات البارونات الجدد.

المعركة اليوم، في جوهرها، هي معركة وجودية حول من يملك السيادة: هل ستكون سيادة القانون والدستور في خدمة سلطة المال اللامحدودة، أم ستكون في خدمة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية المشاركة؟ الإجابة ليست مدونة في كتب الاقتصاد، بل هي كامنة في إرادة الشعوب التي ترفض أن تكون قطيعاً مستسلماً للطفيليين، وتصر على كرامتها وحقها في تحديد مصيرها. إنها معركة من أجل استعادة السياسة من براثن الاقتصاد الطفيلي، واستعادة الإنسان من سطوة رأس المال المتوحش.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1251