الوقائع وترندات الصيف الحار
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

الوقائع وترندات الصيف الحار

في عدوانه الهمجي المستمر على قطاع غزة استخدم العدو الصهيوني كل ما لديه من إمكانيات عسكرية واستخباراتية ونفسية، وكل ما في جعبته من الأدوات القذرة التي حرّمتها قوانين الحروب، لإركاع الفلسطينيين ودفعهم للاستسلام ولكنه فشل في تحقيق هدفه.

يتعاطف العالم أجمع مع مأساة العصر، التي ترتكب ضد أهل غزة وناسها، تتعاطف شعوب ونخب ثقافية وإعلامية مع الشعب الفلسطيني الذي لا يملك سوى الصبر يستخدمه سلاحاً، إلى جانب أسلحته المتواضعة الأخرى، في مواجهة ما يتعرض له، وبفضله تمكّن طوال أشهر الحرب السابقة من إنزال هزائم كُبرى «بجيش» الاحتلال المجرم. في المقابل تتجاهل نخب كاملة ممن يدعون الثقافة ويمتهنون الفن الوجع الإنساني في هذه البقعة الصغيرة من العالم، غزة التي أنهكها الجوع والحصار وأبى أهلها أن يخضعوا لعدوهم ويغيروا العنوان.

فقد حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من «مقتلة جماعية مرتقبة» تهدّد حياة أكثر من 100 ألف طفل خلال أيام، «إذا لم يُسمح بدخول حليب الأطفال والمكمّلات الغذائية فوراً». وأوضح المكتب، في بيان له يوم السبت 26 تموز، أنّ «نحو 40 ألف رضيع دون عام واحد، و60 ألف طفل دون عامين، يواجهون خطر الموت الجماعي الوشيك، بفعل انعدام حليب الأطفال بالكامل»، إضافةً إلى «استمرار الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول أيّ من المستلزمات الأساسية، بما فيها المواد الغذائية والدوائية». وأشار البيان إلى أنّ «بعض الأمهات باتت تُرضع أبناءها المياه، بعد نفاد حليب الأطفال»، وسط «تصاعد مقلق في معدّلات سوء التغذية الحاد. وسجّلت المراكز الصحية مئات الحالات الجديدة يومياً، دون أيّ قدرة على الاستجابة الطبية، بفعل شبه انهيار القطاع الصحي».

لا توقف أخبار الجوع في غزة مهرجانات الفن والسياحة في بلدان المنطقة، ولا يؤثر في المؤسسات الثقافية التي تضع خططها الفنية وفق رؤية الأنظمة التي تحكمها غير آبهة بما يحدث في الجوار. وتثير أسماء هذه المهرجانات وبرامجها الغضب والاشمئزاز عند الناس. فقد أثار «مهرجان الأردن للطعام» غضباً وانتقادات عبر عنها الناس على صفحات التواصل الاجتماعي. وأُطلقت دعوات لمقاطعة «مهرجان الأردن العالمي للطعام 2025» المقرر تنظيمه في عمّان بين 6 و11 آب الجاري. وانطلقت هاشتاغات مثل #ارفض_مهرجان_الطعام و#غزة_تموت_جوعاً، ضد الحدث، الذي يستضيف نخبة من الطهاة والمطاعم الأردنية، داعيةً إلى مقاطعته كونه يأتي في وقت يُقتل فيه عشرات الفلسطينيين يومياً نتيجة المجاعة، وسط صمت عربي ودولي.

أما على صعيد الفن فقد أعلن عن عاصفةٌ من الألبومات والإصدارات الغنائية في هذا الصيف، وذكرت وسائل إعلام أنه: «منذ سنواتٍ خلت، لم يشهد شهرٌ كهذا الشهر إصداراتٍ لألبومات بهذه الكثافة. وكأنه مخطّطُ هجومٍ جماعي من قِبَل الفنانين لإغراق السوق بالأغاني». وتركّزت الألبومات الـ11 الجديدة على الساحتَين المصرية واللبنانية، بينما اكتفت مجموعة أخرى من الفنانين بإصدار أغانٍ منفردة.

«أغانٍ إيقاعية راقصة أو عاطفية هادئة»، لا مشكلة، المهم أن يتمايل «الفنانون» ويرقصوا على خشبات المسارح، ويرقص معهم جمهور لا يهتم بالسياسة ولا بالجوع ولا يعرف ما يحدث خارج حدود قوقعته الافتراضية.

السخط الشعبي طال «مهرجان جرش الفني» الذي افتُتح أخيراً، ويستمر عشرة أيام، متضمناً حفلات فنية وعروضاً راقصة. وقد رأى فيه كثيرون أن «الأردن يعيش في عالم موازٍ، وسط تجاهل تام لما يحدث على بعد كيلومترات فقط منه».

تغرق صفحات الفن بأخبار «الألبومات، والمهرجانات والفيديو كليب المصور والجولات الفنية بين مصر والسعودية ولبنان...إلخ» فالصيف حار بطقسه وأحداثه والترفيه ضروري لتحسين المزاج وتخفيف وطأة الحقائق والحرائق التي تعيشها المنطقة، ولذلك كان من الضروري تقديم هذه الأنشطة، وكأن ما يحدث في الواقع والسياسة لا يعني هذا الجمهور الذي يحتاج الترفيه.

ثمة تعويم لحالة الفصام والانفصال بين السياسة والفن والثقافة، تقوم بها الأنظمة بشكل ممنهج منذ عقود وما زالت، وما هذه الأنشطة والبرامج الفنية والترفيهية سوى تعبير عنها، ولكن ما يثير السخرية والغثيان من الموجة المنتشرة في الوقت الحالي هو درجة التناقض الصارخ بين واقع يفتك بالإنسان والبلدان وسياسات أنظمتها في المجال الثقافي والفني والتي وصلت إلى حدود غير مسبوقة. وما يحدث في غزة وأهلها ليس سوى تكثيف لهذا الواقع. ولكن «الوقائع عنيدة» لا تستطيع المهرجانات والإيقاعات هزيمتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237