مجرد نزهة صغيرة
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

مجرد نزهة صغيرة

بين سرديتي الموت الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه وجعله قدراً لمن يحاول مقاومته من الفلسطينيين والحياة التي تنبثق من إرادة شعب لا يقهر ولا ينهزم أمام عدوه، يعيد الفلسطينيون ابتكار الحياة واختراعها عبر نضالاتهم التي أدهشت العالم كله.

تعلق قناة «كان العبرية» على مشاهد لمقاوم فلسطيني هاجم دبابتين «إسرائيليتين» شمال قطاع غزة: «هذا التوثيق مقلق ويشير إلى اتجاه بدأ قبل أسبوعين وهو أن المسلحين أصبحوا أكثر جرأة ونشاطاً ميدانياً.» تسمي القنوات «الإسرائيلية» المقاومين «مسلحين»، ويمكن الضحك على هذا المشهد عندما ترى رجلاً يرتدي ثياباً عادية وكأنه ذاهب إلى نزهة يحمل في يده شيئاً صغيراً يقتحم دبابة ويفتح بابها ويرمي ما بيده وكأنه يرمي بقمامة بيته في حاوية ثم يتسلل ببراعة، ويختفي وكأنه لم يكن موجوداً في لحظات... ومشاهد أخرى كثيرة ومماثلة تجعلك تضحك على التعليق الوارد كنكتة ساذجة، كيف يمكن لهؤلاء الفتيان الشباب هزيمة جيش مدجج بالسلاح وآلة إعلامية تقف خلفه، كيف يمكن لهم إضحاك المتابعين هكذا والدخول إلى قلوبهم ببساطة.

منذ احتلال فلسطين تمكن شعبها بإرادته القوية من البقاء والمقاومة وابتكار طرق جديدة للحياة، تعددت الرموز التي ابتكروها، من الكوفية إلى المفتاح، وصولاً إلى الفنون والأدب والنُطف المهرَّبة...إلخ. قائمة غير منتهية، كلما اشتدت وطأة الاحتلال تولدت رموز وطنية جديدة ربما كشكل من أشكال المقاومة، إلى جانب السلاح والعمليات العسكرية والانتفاضات والتظاهرات. كانت الثقافة التي تجلت في مختلف أشكال الفنون، كالمسرح والموسيقى والأغنية والرواية والسير الذاتية والمذكرات وتوثيق الذاكرة، اغتنت في معظمها من الواقع المعاش واختزلت واختزنت بداخلها أرضاً ومجتمعاً وقرى ومدناً وشجراً وتراثاً وفولكلوراً وفنوناً. تميزت الرموز الفلسطينية بتلقائيتها الكثيفة والدالة على فلسطين.

شخصية «حنظلة» لناجي العلي والأكثر شهرة بين الرسوم الكاريكاتورية، الحجر الذي أصبح رمزاً للانتفاضتين، وكذلك الملعقة صارت أيضاً رمزاً لعملية فرار الأسرى الفلسطينيين من معتقل جلبوع «الإسرائيلي»، ما سمي حينها «بنفق الحرية»، وغيرها من الرموز التي تعكس أشكال المقاومة التي يجسدها الفلسطينيون في نضالاتهم ضد الاحتلال، والتي تعكس أهميتها في قيمتها التعبيرية «كإعادة تنظيم للتجربة المحسوسة وسط منظومة دلالية»، حسب ليفي سترواس.

روايات و«أدب السجون»، المكتوبة داخل السجون الإسرائيلية تحمل في مضامينها أحلام الأسرى ورؤيتهم لمفاهيم الحرية والوطن والنضال. أم النطف المهربة فهذه لوحدها قضية، تعكس من خلالها القدرة على ابتكار أشكال من الحياة في عالم المعتقل المسكون بالموت.

وبعد بدء عملية طوفان الأقصى ما زال الفلسطيني يبهرنا بتفاصيل مقاومته وبما أن الاحتلال الإسرائيلي مازال موجوداً، فإن النضال العسكري والثقافي الفلسطيني أيضاً لا يزال موجوداً ومستمراً بأشكال وأنواع مختلفة، يبتكر الفلسطينيون كل يوم رمزاً جديداً يضيفونه إلى سلسلة الرموز التي سبقتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235