الإعلام المهيمن
«صدّق نصف ما ترى ولا شيء ممّا تسمع» الكاتب الأمريكي إدغار آلان بو
ثمة حرب تخاض يومياً ضد وعينا وقدرتنا على الفهم كبشر... في النوم والاستيقاظ في المشاعر والأحاسيس ثمة حرب تكاد تقود العالم نحو الجحيم حيث لا يعرف المرء ما هو حقيقي وما هو وهم من صنع الخيال.
خبر صحيح مقابل عشرات أخرى من الأخبار لم تقترب من الحقيقة أصلاً. تجعل المرء يقف مصعوقاً لا يعرف ماذا يصدق وكأنه غارق في بحر أكاذيب.
يتعرض الناس اليوم لما يقدمه الإعلام لهم في كل مناحي الحياة من السياسية إلى الاقتصاد إلى الطب والتعليم والفنون وغيرها. كميات هائلة من المعلومات فيها الكثير من الأكاذيب إلى جانب بعض الصدق
شحنات عالية تقدم بشكل يومي في كل ساعة ودقيقة وبذلك يتضاعف حجم التضليل تحت تأثير الضغط الذي يتعرض له المرء نتيجة الضخ الهائل في المعلومات وتدفقها بحيث لا يعود الإنسان قادراً على التمييز بين الحقيقة والكذب أو الواقع والخيال، خصوصاً في ظلّ هذه الهجمة الجديدة على مقاطع وصور الذكاء الاصطناعي. مثلاً، صار بإمكانك أن تصنع مقطعاً من خيالك بصفته حدثاً.
والحديث هنا لا يدور فقط حول أولئك الذين يستخدمون الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ليلفّقوا الأخبار، أو يركّبوا مقطعاً يحصدون منه بعض «اللايكات» والتفاعلات على فيسبوك أو باقي المنصات،
رغم تأثيرهم لكنه يبقى محدوداً بأطر معينة. بل المقصود هنا هو الإعلام المهيمن متمثلا بالشركات والمراكز ووسائل الإعلام التي تتفنّن في صناعة الكذب.
تحيك منه لوحات كاملة وتاريخاً من أجل تمرير رسائل أو تحقيق تطلّعات أو نشر رواية الشركات المسيطرة على العالم أو الحكومات التي تطوّع شعوباً بأكملها.
يحاول الإعلام المهيمن أن يزرع في أذهاننا فكرة الخضوع والاستسلام والضعف بصفتها قدر الشعوب.
ويحاول الإعلام المهيمن ومموّلوه والمؤثرون فيه السيطرة على حياة الفرد وجعله معزولاً وضعيفاً وكأنه في جزيرة نائية وحيداً لا يملك إلا أن يصدق ما يحيكونه له، خاصة في ظل التطور الذي جعل البشر ملازمين لهواتفهم وكأنها جزء من أعضائهم.
قد يكون من المفيد كدفاع أوّلي عن النفس أن يعلم المرء حقيقتين لا لبس فيهما: كل ما يُقال هو مدفوع لأن يُقال وكُلّ ما يشاهد هو ما سمح أن يشاهَد. ولكن هذا لا يكفي، فيكون أمام الشعوب مهمة التفكير الجدي بإيجاد بدائل تحفظ لهم حقوقهم بالحصول على معلومات حقيقية وصحيحة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1234