«النافذة المكسورة»
ثمة بديهيات في علم السياسة تؤكد إحداها أن أي سلطة لا تستمد شرعيتها الفعلية إلا من الذين تحكمهم. وتنظر أخرى إلى الرضا الاجتماعي كأحد أهم عوامل الاستقرار السياسي في أي بلد.
كما يربط علم السياسة أيضاً بين الفقر ومقدار الرضا الاجتماعي للناس والمجتمع. يجري الحديث عن الفقر ليس كظاهرة اقتصادية اجتماعية فقط، بل كأزمة إنسانية متعددة الأبعاد، لا تكتفي بتهديد البنية الداخلية، بل يمكن لها أن تهدد الأمن الخارجي للبلاد، تختزل ذلك مقولة غرامشي: «لن يكون لك رأي، حتى يكون لك رغيفك الخاص. وما دون ذلك فهو مجرد صدى لرأي من يُطعمك».
وكما يقول المثل: «لا يسقط المطر على سقف واحد»، كذلك لا يميز الفقر بين مذهب وآخر، فهو وحش يثير خلفه زوابع متنوعة أنى تحرك، ويراكم غباراً كثيفاً ومشاكل متنوعة لا تحصى تتعدد أشكالها وتترابط وتطال مختلف أوجه الحياة، فوجود الفقر يعني: انخفاض مستوى الرعاية الصحية أو انعدامها أحياناً، تراجع البنية التحتية أو انهيارها، تفكك البنية الاجتماعية والأسر، هجرة، نزوح، تخلف التعليم وتراجعه... إلخ.
يكفي أن تتجول في أسواق العاصمة دمشق حيث تتراكم البضائع المختلفة في المحلات والبسطات ومع ذلك يعجز الناس عن شراء كامل حاجاتهم الأساسية، تتجمّل الوجوه المتعبة بالصبر والأمل بتغيير هذا الواقع المستمر، يعرفون الصعوبات التي تواجه بلادهم، والحاجة الملحة أكثر فأكثر لتقديم الحلول وإيجادها، ولا يأبهون بواقعهم ومعاركهم اليومية لتأمين لقمة العيش لمهاترات البعض ومعاركه الوهمية في الفضاء الإلكتروني وعلى منصات التواصل، إذ ثمة معاناة اقتصادية اجتماعية تجمعهم اليوم وتحتاج للمعالجة المباشرة.
يعرف السوريون أكثر من غيرهم عدوهم الحقيقي ومتلازماته (الفقر والفساد وغياب المشاركة والحريات السياسية ... إلخ» مما أنتجته منظومة الاستبداد خلال عقود مضت. وهم إذ يستعجلون اليوم الحلول، ليس بوارد الترف أو نفاد الصبر كما يسوق البعض للتأجيل والتسويف والانتظار بمقولات مثل: «تحملتوا ستين سنة، ما فيكن تنطروا هلا كم سنة تانية» ... إلخ، بل بمقدار الفهم العميق لنتائج التأخير الكارثية على العباد والبلاد.
تؤكد نظرية «النافذة المكسورة» تأثير تراكم المشاكل على بنية المجتمع واستقراره السياسي، ظهرت النظرية أولاً في مقال لعالمي الاجتماع جيمس ويلسون وجورج كيلينغ عام (1982)، ثم طُبقت في مجال علم الجريمة والسياسة الاجتماعية لتمتد لاحقاً إلى الحقل السياسي المباشر، ومفادها أن استمرار المشكلات الصغيرة غير المُعالَجة وتصاعدها يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية. فحسب جورج كيلينغ: «الجرائم الكبيرة لا تبدأ بطلق نار، بل بزجاجة مكسورة تُترك في الشارع». من هنا تأتي ضرورة الإسراع في المعالجة وتقديم حلول جذرية للمشاكل المتراكمة والمتفاقمة، والنظر إليها بجدية مهما بدت صغيرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1232