عقيدة ترامب والإمبريالية الجديدة لحركة «ماغا»
جون بيلامي فوستر جون بيلامي فوستر

عقيدة ترامب والإمبريالية الجديدة لحركة «ماغا»

لقد أحدث التحول الجذري في الإمبريالية الأمريكية في ظل رئاسة دونالد ترامب، سواء في ولايته الأولى أو حتى في فترته الحالية، ارتباكاً وذعراً هائلين داخل مراكز القوة في المؤسسة. يتجلى هذا التغيير المفاجئ في السياسة الخارجية الأمريكية في التخلي عن كل من النظام الدولي الليبرالي الذي شُيّد في ظل الهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية والاستراتيجية طويلة المدى لتوسيع حلف الناتو والحرب بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا. لقد وضع فرض الرسوم الجمركية المرتفعة وتغيير الأولويات العسكرية الولايات المتحدة في صراع حتى مع حلفائها القدامى، بينما تتسارع الحرب الباردة الجديدة على الصين والجنوب العالمي. إن التحول في إسقاط القوة الأمريكية متطرف للغاية، والارتباك الذي ولّده كبير جداً، لدرجة أن بعض الشخصيات المرتبطة منذ فترة طويلة باليسار قد وقعت في فخ رؤية ترامب على أنه انعزالي ومعادٍ للعسكرة ومعادٍ للإمبريالية. وهكذا، جادل اليساري الساخط كريستيان بارينتي بأن ترامب «ليس معادياً للإمبريالية بالمعنى اليساري. بل هو انعزالي فطري يضع أمريكا أولاً»، وهدفه، «أكثر من أي رئيس حديث»، هو «تفكيك الإمبراطورية العالمية غير الرسمية لأمريكا»، وتعزيز سياسة خارجية جديدة «مناهضة للعسكرة» و«معارضة للإمبراطورية».

بتصرف عن دورية Monthly Review

ومع ذلك، وبعيداً عن كونه معادياً للإمبريالية، فإن التحول العالمي في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب يعود إلى نهج قومي متطرف تجاه القوة العالمية، متمركز في قطاعات رئيسية من الطبقة الحاكمة، وخاصةً شركات احتكار التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى أتباع ترامب الذين ينتمون في الغالب إلى الطبقة المتوسطة الدنيا. ووفقاً لهذا المنظور الفاشي الجديد والانتقامي، فإن الولايات المتحدة في حالة تراجع كقوة مهيمنة، ويهددها أعداء أقوياء: الماركسية الثقافية و«الغزاة» المهاجرين من الداخل، والصين والجنوب العالمي من الخارج، بينما يعيقها حلفاء ضعفاء وتابعون.

الإطار الفكري للعقيدة

1. «أمريكا أولاً» كمرتكز أيديولوجي:
تتبنى إدارة ترامب الثانية فلسفة تقوم على القومية الاقتصادية والسيادية المطلقة، مع التركيز على فصل المصالح الأمريكية عن التكتلات الدولية. ظهر هذا جليّاً في خطاب التنصيب (يناير 2025) الذي هاجم فيه ترامب العولمة ووصفها بأنها «أفقرت العمال الأمريكيين وأثرت النخب»، مؤكداً أن سياساته ستركز على «الشارع الرئيسي لا وول ستريت».

2. النموذج الويستفالي:
تعيد العقيدة تعريف السياسة الخارجية عبر العودة إلى مفهوم الدولة القومية بحدودها الصارمة، مع رفض الالتزامات متعددة الأطراف كاتفاقية باريس للمناخ والمحكمة الجنائية الدولية. هذا التوجه يُفسَّر كرد فعل على «أعباء العولمة» وفقاً لتحليلات أكاديمية.

3. الصراع الحضاري كإطار تحليلي:
يستند ترامب إلى رؤية صموئيل هنتنغتون «لـصراع الحضارات»، حيث يصور التهديدات الخارجية (كالهجرة والصين) كخطر وجودي على «القيم الأمريكية». تجسَّد هذا في خطابه عن السيطرة على قناة بنما بدعوى أن «الصين تسيطر عليها» – وهو ادعاء نفته وقائع رسمية.

المكونات الجيوسياسية

1. إعادة تشكيل التحالفات:
- الخليج العربي: أولى ترامب زيارته الرئاسية الأولى (أيار 2025) للسعودية والإمارات وقطر، معتمداً مصطلح «الخليج العربي» كرمز لدعمه. كشفت الزيارة تعزيز الشراكة الاستراتيجية، خاصة في الطاقة والاستثمارات التكنولوجية، مع منح دول الخليج إعفاءات جمركية (10% مقابل 70% لدول أخرى).
- روسيا: أظهر ترامب انحيازاً غير مسبوق لروسيا، منتقداً أوكرانيا وحلف الناتو علناً خلال قمة واشنطن (شباط 2025). يُفسَّر هذا التحول عبر فرضية «التحلل من الالتزامات الإمبراطورية» لصالح المصالح القومية المباشرة.

2. المواجهة مع إيران:
هدَّد ترامب إيران «بـرد غير مسبوق» إذا تعرضت أمريكا لهجوم، واصفاً موقفه بأنه «نسخة كربونية لخامنئي» في الحزم. كما فرض مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق نووي، معلناً أن «اليوم 61 قد مر» بعد الهجمات الإسرائيلية.

3. التوتر مع الصين:
رغم إبرام اتفاق تجاري (حزيران 2025) يخفف القيود على المعادن النادرة ويسمح للطلاب الصينيين بالدراسة بأمريكا، فرض ترامب رسوماً جمركية تراكمية وصلت إلى 55%، مما يعكس تناقضاً بين الخطاب التعاوني والإجراءات العقابية.

الآليات التنفيذية

1. الاقتصاد كسلاح:
- فرض رسوم جمركية «حمائية» شملت حلفاء تقليديين ككندا والاتحاد الأوروبي.
- شكَّل قطاع السينما الأمريكي نموذجاً لمعارضة هذه السياسات، محذراً من «انغلاق ثقافي» بسبب ارتفاع تكاليف المعدات المستوردة.

2. العسكرة الداخلية:
- تصنيف «العصابات المحلية» كمنظمات إرهابية.
- تهديد حاكم كاليفورنيا (نيوسوم) بنشر الحرس الوطني لمواجهة الاحتجاجات، مدعياً قدرته على «الرد بقوة أكبر» في ولايته الثانية.

3. الهجرة كعدو وجودي:
- إلغاء حق الجنسية بالميلاد (مقاضاة 18 ولاية له).
- وصف تدفق المهاجرين «بالغزو»، مع إرسال الجيش للحدود.

الإشكاليات والتناقضات

1. الفجوة بين الخطاب والممارسة:
- رغم شعار «مناهضة الحروب غير المجدية» (كحرب العراق)، يُوسع ترامب استخدام التهديد العسكري المباشر (إيران) والعسكرة الداخلية.
- ادعاء «صنع السلام» بين الكيان الصهيوني وإيران يتناقض مع دعمه الضمني للضربات «الإسرائيلية».

2. التضليل كاستراتيجية اتصال:
- صنفته «ويكيبيديا» «بكاذب متسلسل» ذي سجل غير مسبوق من التصريحات الكاذبة (20,000 ادعاء غير صحيح بحلول 2020).
- أمثلة بارزة: إنكار ديون بقيمة 4 مليارات دولار (1990)، الادعاء الكاذب بوجود 38 ألف قتيل أمريكي في قناة بنما (بينما الوثائق تشير لـ300).

3. تأجيج الانقسام:
- خطاب التنصيب هاجم خصومه بدلاً من الدعوة إلى الوحدة، مخالفاً التقاليد الرئاسية.
- إلغاء مشاركة إمام مسلم في حفل التنصيب بسبب موقفه من «إسرائيل»، رغم تعددية المراسم الدينية.

خلاصة: إمبريالية جديدة بثوب قومي

تعيد «عقيدة ترامب» تشكيل الهيمنة الأمريكية عبر مفارقة أساسية: استخدام الخطاب المناهض للإمبريالية التقليدية (رفض التكاليف الدولية) لبناء إمبريالية قائمة على:

- الهيمنة الاقتصادية الانتقائية: عبر عقوبات جمركية واتفاقيات تجارية غير متوازنة.
- الاستقواء بحلفاء غير تقليديين: كدول الخليج، مع تغليب المصالح على القيم.
- تسليح الداخل ضد «التهديدات الوجودية» من الهجرة إلى التعددية الثقافية.

هذا التحول يُنتج نظاماً عالميّاً أكثر انقساماً، حيث تُعاد كتابة قواعد اللعبة الدولية بعيداً عن التعددية، لصالح «سلام ترامب» القائم على الهيمنة الأحادية المعاد تصميمها.

لقد حوّلت الطبقة الحاكمة من أصحاب المليارات في الولايات المتحدة - على غرار دعمها للإبادة الجماعية «الإسرائيلية» للفلسطينيين وحرباً محتملة مع الصين- دعمها من الديمقراطية الليبرالية إلى الفاشية الجديدة، أو في أحسن الأحوال إلى تحالف نيو فاشي-نيوليبرالي. حشدت قطاعات رئيسية من الطبقة الرأسمالية الطبقة المتوسطة الدنيا على أساس أيديولوجية قومية انتقامية، تُعتبر فيها سكان معظم أنحاء العالم أعداءً. وتُرسى هياكل تهدف إلى القضاء على إمكانية اندلاع ثورة ديمقراطية جماهيرية من القاعدة وعكس الاتجاهات المدمرة الحالية. لا توجد سوى حركة واحدة على وجه الأرض قادرة على قلب هذه الاتجاهات الخطِرة والمدمرة لصالح البشرية جمعاء: الحركة العالمية نحو الاشتراكية، وهي بالضرورة حركة مناهضة للإمبريالية. إن أسوأ خطأ يمكن ارتكابه في هذا الوضع المرير هو الاستهانة بخطر النضال الإنساني الثوري المطلوب الآن، أو بمداه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1230