هل يشكّل سقوط النظام السابق منعطفاً حاسماً للدراما السورية؟
تبرز اليوم آفاق جديدة تتشكل عبر تفاعل الحرية الفنية المرجوة مع التحديات الانتقالية، إذ يمكن رصد الاتجاهات الرئيسية استناداً إلى أحدث التطورات.
حيث يشكل التحرر من القيود الأمنية والرقابية أحد المحاور المحتملة، حيث يتوقع العاملون في المجال الفني أن يجري كسر الخطوط الحمراء حتى يتيح التغيير السياسي معالجة قضايا كانت محظورة سابقاً كالفساد الممنهج، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب، كما ظهر في أحد المسلسلات السورية الحديثة الذي كشف تورط أجهزة النظام في جرائم خطف وقتل ومخدرات. ويشكل توثيق السجون نقطة فارقة في الدراما بعد إعلان بدء تصوير مسلسل «قيصر» الذي يُصور داخل سجون حقيقية، ويعتمد على وثائق موثقة لفضح انتهاكات النظام السابق، مقدماً نموذجاً للدراما التوثيقية رغم الخلافات حول احتمال كون العمل يعتمد على المعاناة الحقيقية من أجل الترفيه.
قدمت مجموعة الأعمال التي عرضت في رمضان طيفاً ينتمي إلى المرحلة السابقة مع إضفاء نكهة جديدة لا تتعدى اللمسات الخفيفة لكون معظم الأعمال كانت قد كتبت في فترة ما قبل السقوط، رغم أن تنفيذه كان جزئياً بعد السقوط كما في عمل الدراما الاجتماعية السياسية: «البطل» (المقتبس عن مسرحية ممدوح عدوان) الذي قدم نقداً لاذعاً للواقع الأمني والاقتصادي في عهد الأسد. والعمل التاريخي: «ليالي روكسي» الذي ينتمي إلى فئة الأعمال الدرامية الشامية، حيث تدور أحداثه في عام 1927، خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية.
ومن التحديات التي تواجه صناعة الدراما اليوم الاستقطاب السياسي الناجم عن تحولات هذه الفترة المتمثل في استبعاد ممثلين محسوبين على النظام السابق، وتوقع إعادة ترتيب المشهد الفني بناءً على المواقف السياسية. كما يشكل ضعف التمويل أحد أهم هواجس الإنتاج بسبب عدم وضوح التغيرات في المشهد الإنتاجي المرتبط بتعقيدات الانتقال السياسي.
كما تتمثل اليوم مخاطر التسطيح الفني التي نراها في تحذيرات من «استغلال التريند» بإقحام سقوط النظام ضمن بعض الأعمال أو استغلال الحدث السياسي في الكوميديا الخفيفة.
لكن من جهة أخرى يمكن أن نرى فيما جرى فرصة للنهوض والانتشار، حيث يتحدث البعض عن فرص للتمويل المستقل، بالإضافة إلى توقع انفتاح قنوات تمويل عربية ودولية لإنتاج أعمال قد تعكس الرواية السورية بصدق، وقد تقودها أهواء الخارج بعيداً عن رؤية سورية نقدية حقيقية.
ويحق لنا أن نتوقع تطورات في الدراما على مستوى المحتوى قد تعيد تعريف دور المجتمع في التغيرات الجارية من خلال دور السوريين في صياغة مستقبلهم، وعلى مستوى الوسيلة يبدو أننا نشهد صعود المنصات الرقمية التي تشكل تحولاً في نموذج التوزيع، وهو ما يتيح تصاعد تأثير الجمهور حيث يبرز دور محوري للمشاهد في تقييم الأعمال.
تمر الدراما السورية بمرحلة قد تحمل فرصة تاريخية لولادة فن جديد يعكس معاناة الشعب وتطلعاته، لكن نجاحها مرهون بتجاوز تحديات الانتقال السياسي، والحفاظ على العمق الفني بعيداً عن الاستقطابات الآنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229