عالم مسموم
يعرف السوريون تماماً ما يحتاجونه، يعرفون بعضهم جيداً، يتحدثون في جلساتهم الحية والواقعية بعفوية وبإرادة إيجابية عن الدروب المؤدية إلى البناء والاستقرار والسلم الأهلي والعيش المشترك... فالسوري الآخر شريك وليس عدواً كما تحاول العوالم الافتراضية تصويره وتصديره.
بعيداً عن المعارك الوهمية وحالة التجييش والتهويل الإعلامي في العالم المسموم، عالم فيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى التي رافقت الأحداث الأخيرة في سورية، أثبتت وقائع كثيرة وفي أكثر من مكان أنه يمكن للسوريين أن يجلسوا ويناقشوا شؤونهم بهدوء، يشكون همومهم لبعضهم من غير ادعاء ولا مجاملة يتملكهم خوف واحد على البلد وناسها.
لم يعد الإعلام ووسائله مجرد ناقل للخبر، بل أصبح صانعاً له، خاصة في عصر الذكاء الصناعي واستخدام تقنيات التزييف العميق والحسابات الوهمية وغيرها، فقد أصبح هناك جيوش إلكترونية تستخدم وسائل متطورة ضمن حملات تضليل ممنهجة... ومع ذلك لا يزال البعض يتعامل بسطحية وسذاجة مع ما يراه ويسمعه تصل بهم أحياناً لدرجة المشاركة المجانية في الترويج لما يريده الإعلام الموجه بصيغة محددة أو الاستسلام للكم الهائل من التهويل الإعلامي...إلخ.
غالباً ما يرافق الأحداث والتوترات الداخلية فواعل خارجية لها مصلحة في إنهاء دور سورية الوظيفي من خلال تدميرها وغالباً ما تؤدي هذه الفواعل دور المحرك والمحرض (المباشر وغير المباشر) لتحقيق هدفها في التركيز على ما يفرّق، وليس ما يجمّع. يُستخدم خطاب الكراهية والتحريض على الانقسام لهذا الغرض، وبشكل واضح، ويجري التركيز على الجانب النفسي منه لدرجة تصل في كثير من الأحيان حدّ الاتهام والتخوين والقطيعة مع الآخر وشيطنته، لتكون النتيجة استحالة التعايش معه.
تتطلب اللحظات الحرجة والمنعطفات الهامة التي تصعب فيها معرفة الأحوال بدقة الكثير من التأني في التعامل مع الأحداث والتأكد من الأخبار والحذر أثناء تحليلها، ابتداء من المصدر، واحتمالية وقوعه تحت ضغوط انفعالية والأفكار المسبقة أو الانجرار للهوى السياسي مما يؤدي بالخبر أن يكون مجتزأ أو مشوّهاً أو منحازاً حسب انحياز الراوي، في أقل تقدير.
تحتاج البلاد اليوم إلى تفعيل خطاب معاكس لخطاب الكراهية، خطاب متكامل للمشاركة في البناء، ينهي حالة التهميش والإقصاء، ويشرك الجميع بصياغة يومهم وغدهم وبلدهم المأمول... فالسوريون قادرون على بناء البلد، لذلك ثمة من يعمل على مصادرة هذه المقدرة وتشتيتها بنشر الخوف والحذر الدائم من الآخر.
وبهذا المعنى يصبح الحوار الوطني ليس مجرد حاجة فحسب، بل ضرورة يلزمها توفير بيئة حوار تمكن الجميع من تقديم رؤيته الخاصة وبناء جسور بين الأطراف المختلفة على أسس وطنية وتساعد كل طرف في تفهم مخاوف الآخر وهواجسه، بعيداً عن لغة التكفير والتخوين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1225