نوروز 2025 في سورية
رمزي السالم رمزي السالم

نوروز 2025 في سورية

يأتي عيد نوروز- اليوم الجديد- في 21 آذار من كل عام، احتفاء بتجدد الطبيعة، يتشارك فيه العديد من شعوب الشرق، ويحمل العديد من الدلالات والمعاني، واقترن هذا العيد لدى الشعب الكردي بأسطورة كاوا الحداد كرمز ضد الطغاة، والاستغلال والاضطهاد، حتى تحوّل إلى عيد قومي للشعب الكردي.

كانت هذه المناسبة في عام 2025 ذات نكهة خاصة في سورية، انعكست في مشاركة آلاف السوريين/ات الذين نشروا على صفحات التواصل الاجتماعي تهانيهم للكرد بمناسبة عيد النوروز، والآلاف الذين احتفلوا ورقصوا في حلقات الدبكة معهم، لا بل إن البعض أقاموا احتفالات رمزية في مدن وقرى لا يوجد فيها كرد، وأوقدوا شعلة نوروز في رسالة رمزية إلى أشقائهم وشركائهم في الوطن، بالإضافة إلى تهاني عشرات الممثلين والفنانين السوريين خاصة بالمناسبة، في ظاهرة غير مسبوقة وتبدو جديدة، ومفاجئة فقط لمن لم يعرف سورية الحقيقية، ومن يصر أن ينظر إليها من خلال نخب الحرب والتأزيم.
جاءت التهاني من كل مكان، من إدلب وحلب، إلى الساحل الجريح والمكلوم، إلى حمص، إلى درعا الأبيّة وهي تقول لا للطغاة والغزاة، إلى أبناء جبل الريان ومن صدحوا يوماً زينوا المرجة والمرجة لنا، إلى الرقة ودير الزور إلى جنوب الرد في القامشلي، إلى دمشق وفرح وتمايل شباب الأمن العام مع رقصات النوروزييّن... هذه هي سورية وهذا هو السوري، هذه هي الروح السورية التي تقتنص أية فرصة لتؤكد أنها عصيّة على دجل اللصوص الذين يرتدون ثوب الساسة، وأمراء الحرب، وتتطهّر من رجس العصبيّات المصنّعة، أوالوافدة والمستوردة، سورية صيدنايا /الدّير/ والأوابد الحضارية، وليس المعتقل- المسلخ، هذه هي سورية سعيد حورانية وعبد السلام العجيلي وحنا مينة وجكرخوين ونزار قباني، وممدوح عدوان، وحيدر حيدر، وسعد الله ونوس، ورياض الصالح الحسين، هذه هي سورية التي أرادها يوسف العظمة وسلطان الأطرش، وصالح العلي، وفارس الخوري ومحمد الأشمر، وإبراهيم هنانو، ورمضان شلاش، وسعيد آغا الدقوري، وعدنان المالكي، وصولاً إلى شهداء الحركة الاحتجاجية السلمية بعد 2011 سورية الواحدة الموحدة التعددية، سياسياً وسياسياً وسياسياً.. ومن ثم قومياً ودينياً.
أربعون عاماً في العمل السياسي، وثماني سنوات في العمل الصحفي، وقراءات تاريخية من مذكرات وسِيَر أكرم الحوراني إلى خالد العظم وشكري القوتلي، وأمينة عارف الجراح وآخرون وأخريات... خمسة وعشرون عاماً في مهنة التدريس، وثمانية أعوام في العمل الصحفي، جمعتني كل هذه المحطات بسوريين وسوريات، أكدت لي على الدوام بأن هناك سورية أخرى، سورية حقيقية غير تلك الصورة النمطية والمزيفة التي خلقتها وعممتها وسائل الإعلام وهي تقصف الوعي الاجتماعي على مدار الساعة، سورية التي تصر على أن تعبر عن نفسها في كل فرصة ممكنة، كما كان الحال مع تفاعل السوريين/ات مع ذكرى واحتفالات نوروز...
لقد دأبت السلطة الساقطة عبر عقود على طمس ثقافات السوريين، وإقصائها، وأغلقت أمامها المجال السوري العام، وكان من نتيجة ذلك زرع ثقافة التشكيك، والتوجس والحذر من الآخر، والانغلاق والتقوقع على الذات ليكون ذلك أحد مظاهر تشوه الوحدة الوطنية السورية، وسرقة أهم ثروات سورية الروحية وهو التعدد الثقافي الذي تفتخر به الدول والشعوب الحيّة عادة، وتسعى من خلالها إلى إغناء الهوية الوطنية، عبر التلاقح والتفاعل والتكامل.
إن إحدى المهام التي تفرض نفسها، على أية سلطة جديدة، والنخب السياسية والثقافية عموماً، هو البناء على هذا التنوع الثقافي باعتباره أحد خصائص ومزايا سورية كشعب ودولة، في صياغة هوية وطنية معاصرة، واستكمال ما بدأه الآباء المؤسسين، ليس لأن ذلك حق ديمقراطي مشروع فقط، بل لأنها أيضاً مسألة وطنية سورية، ومن هنا يكون اعتبار عيد نوروز في 21 آذار، ومثله عيد أكيتو في 1 نيسان رأس السنة الآشورية، وغيرهما... أعياداً سورية، واطلاع السوريين من خلال وسائل الإعلام الرسمية على طقوسها من غناء ورقص وتناغم مع تجدد الطبيعة، والمعاني والقيم الإنسانية والكفاحية التي تحملها هذه المناسبات هي إحدى معايير الجديّة في القطع مع عقود من سياسات الإقصاء والتهميش والأحادية.
في ذكرى نوروز 2025، تأكدت مرة أخرى تلك الحيوية الكامنة في العقل الجمعي السوري، الذي عبر عن نفسه بأشكال مختلفة ومناسبات عديدة خلال سنوات الأزمة وماقبلها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، التضامن مع ضحايا الزلزال عام 2023، والموقف من الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في الساحل السوري مؤخراً، وقبلها الموقف من الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية، والدعوة إلى إيقاف العنف والعنف المضاد والحل السياسي للأزمة، والتي كان يجري التعتيم عليها، ولم تتوفر لها الحوامل الدعائية – الإعلامية الكافية في عهد السلطة الساقطة.
وجاء تفاعل السوريين مع هذه المناسبة الذي شاءت الظروف أن يكون تحت الأضواء، درساً جديداً للفسابكة ومثقفي الـ قطعة بعشرة الذين لا يعرفون سورية والسوريين إلا من خلال آخر نشرة أنباء استمعوا اليها، العميان وذوو العقول المتكلسة الذين لا يرون أبعد من محيطهم الاجتماعي الضيق الديني والطائفي والقومي، ونموذج الكتبة الانتهازيين المفلسين الذين لا يستطيعون أن يجدوا مكاناً إلا في مستنقع الاصطفافات الثانوية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1219