عن النصر والهزيمة...

عن النصر والهزيمة...

ليست الحرب مجرَّد معارك تخوضها جيوش، وإنما صراع مصالح وإرادات وأهداف بين الأطراف المتنازعة، تحاول تحقيقها باستخدام عدة وسائل تهدف إلى إضعاف الخصم والاستفادة من المعادلات السياسية بعد تغييرها لفرض شروط معينة على طاولة المفاوضات.

ووفق هذا المنظور، لم يعد النصر في الحروب يُقاس بما تُخلّفه الحرب من دمار مادّيٍّ أو بشريّ، من موت وجراح، بل أصبح معيار النصر والهزيمة مرتبطاً بتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً من قِبَل الأطراف التي تخوض الحرب.
والحرب التي تشنّها «إسرائيل» ومَن خلفَها على شعوب المنطقة الآن ليست خارج هذا السياق، رغم أنّها عملت وبدعمٍ من ماكينة إعلاميةٍ محلية ودولية، على تصوير وقف إطلاق النار مؤخَّراً بأنه إنجاز حاسم، وحاولت الإيحاء بتحقيق أهدافها المعلنة، من إبعاد المقاومة عن شمالي فلسطين إلى استهداف المقاومة، وضخّمت الوسائل الإعلامية نصرها الوهمي، يدعمها في نشره وترويجه أصحاب الأصوات الانهزامية من الداخل والتي تروّج لنظريات الهزيمة والتراجع. لكن العدو نفسه أدرك أنه يدفع في هذه الحرب ثمناً باهظاً على المستوى العسكري والسياسي البشري، وأنه لم ينتصر بل يستمرّ في تلقّي الهزائم واحدةً بعد الأخرى. وذلك ما تؤكّده الكثير من التقارير الصحفيّة حتى في داخل الكيان الصهيوني. تتصاعد تساؤلات عديدة حول النصر المزعوم للكيان، حسب معايير النصر التي تُقاس بتحقيق الأهداف المعلنة للحرب، يجري طرح سؤال هام: هل استطاعت «إسرائيل» ومِن خلفِها ترسانةُ المنظومة الإمبريالية الأمريكية إعادةَ تشكيل ميزان الرّدع لصالحها؟ أم أنّ المأزق الذي دخلته قد يشكّل نصراً من نوع آخر لمقاومةٍ ترفض الانكسار؟

تشير تقارير عديدة ومختلفة إلى قدرة المقاومة في لبنان على الحفاظ على بنيتها واستمرار عملياتها العسكرية حيث واجه العدوُّ مقاومةً أسطورية منظَّمة وقادرة على استخدام الأرض لصالحها، رغم التفوّق التكنولوجي للعدو، فجيشه الذي اعتاد على اجتياح لبنان في ساعات وأيام سابقاً لم يستطعْ تجاوز بعض القرى الصغيرة في الجنوب ووقفَ عاجزاً أمام مقاومتها. ولم تكتفِ المقاومة بالصمود، بل أجبرت الاحتلالَ على التراجع عن أحد أهم أهدافه بإقامة «حزام أمني» بعمق 10 كيلومترات في جنوبيّ لبنان رغم سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها العدوّ، وكبّدته خسائر على يد المقاتلين الذين صمدوا في القرى الأمامية، وأجبرت العدو على التنازل عن هدفه في تفكيك ترسانتها وإنهاء قدراتها القتالية. وما كان استهدافُ المقاومة بعد وقتٍ قصير من الإعلانِ عن وقف إطلاق النار للمطلّة وكريات شمونة، وصولاً إلى «تل أبيب» برشقاتٍ صاروخية، إلّا تأكيداً منها على أنّ معادلات الردع ما زالت قائمة. وقدّمت رسالةً واضحة في مضمونها أنّ أمْنَ مستوطني الشمال ما زال هشّاً، ولم تنجح «إسرائيل» في تحصينه كما وعدتْ مستوطنيها. ومما يثير السخرية هنا تأكيدُ أحد التقارير الإعلامية أنّ الكيان الصهيوني بدأ بعرض مبالغ تصل إلى 35,000 دولار لكلّ عائلة مستوطِن تقبل العودة إلى شمالي فلسطين المحتلة، في دلالة على عدم قدرته على توفير الأمان لمستوطنيه. ولم يكن ما جاء على لسان وزير الأمن القومي «الإسرائيليّ» إيتمار بن غفير إلّا تأكيداً لذلك، حيث قال: «الاتفاق بين [إسرائيل] ولبنان لا يحقّق أهداف الحرب بإعادة سكّان الشمال إلى بيوتهم بأمان».
على المستوى الدوليّ، لم تفلح «إسرائيل» في كسب تأييدٍ شعبي لعملياتها، كما في عدوانها سابقاً، بل زادت الانتقادات العالمية لوحشيّتها، وإجرامِها بحقّ الشعب الفلسطيني واللبناني.
رغم قساوة الضربات والدماء التي سالت على أرض لبنان، ورغم الخسائر المادية والدمار الذي تركه الاحتلال خلفَه، إلّا أنّ المقاومة استطاعت أن تصمد وتعيد رسم المعادلات على الأرض. وأثبتت للعالم أنّ مَن يحمل حقّ الدفاع عن أرضه عصيٌّ على الانكسار أو الاستسلام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203