نرسيس على هيئة «ناشط»
يصدر بعض النشطاء على وسائل التواصل ذواتهم كخبراء وعارفين ويصل بهم الأمر أحياناً إلى اعتبار أنفسهم مصدراً للإلهام لا يجوز النقاش فيما يطرحونه أو التشكيك في صحته ومصداقيته.
يولّد الاقتراب من المركز نوعاً من النرجسية، وقد ظهّر الإعلام الغربي على مدى عقود ما كانت تطرحه المؤسسة الفكرية الغربية من نظريات حول «العصر الأمريكي» والتعبيرات المختلفة عنه، بدءاً من مفهوم المركزية الغربية، ووصولاً إلى النموذج الغربي «الأمريكي خاصة» في الحياة والتفكير وغيرها.
ولا تعني النرجسية هنا فرط الأنانية بل تتعداها إلى حالة من الفردية المفرطة والانغلاق على الذات فتصبح صورة الذات هي الوجهة الأساسية لها ومثلها الأعلى، يشبه في ذلك نرجس أو نرسيس في الأساطير اليونانية، وكان صياداً اشتهر بجماله وبغروره الشديد لدرجة كان يصد فيها كل من يتقرب منه، ولاحظت الآلهة نمسيس تصرفاته فعاقبته بأن أخذته إلى بحيرة رأى فيها انعكاس صورته على صفحة الماء فأسرته صورته من شدة أعجابه بنفسه فجلس يتأملها حتى مات.
يمر كثير من الناس بهذه الحالة في مرحلة ما من حياتهم، وغالباً ما يتخطونها عبر الاصطدام بالواقع فيتخلصون من أوهامهم الذاتية. ولكن بالنسبة للنخب الغربية العالمية التي روّجت لفكرة الفردية وضخمت مفهوم الأنا والذات ومن خلفها الطغم الحاكمة ما زالت تعتقد واهمة بإمكانية استمرار سيطرتها على العالم ومقدراته وثرواته، رغم تراجعها الواضح وانحسار قوتها في كثير من المناطق وتغير موازين القوى في غير صالحها وظهور منافسين وازنين أمامها.
يتراجع الأمريكي بشكل مضطرد، من أفغانستان إلى العراق مروراً بحرب تموز في لبنان إلى أوكرانيا والحرب على غزة ولبنان مؤخراً. ومع ذلك يحاول الحفاظ على صورة المنتصر مستخدماً كل الوسائل المتاحة لديه والتي يعبر عنها من خلال إعلامه المتحَكّم به بشكل واضح.
ولأن ثقافة الطغمة الحاكمة تصبح سائدة، لا يسلم من هذه الأوهام إلا القليل. يفسر ذلك إلى حدِّ ما يبديه بعض نشطاء التواصل الاجتماعي في الغرب من عصاب نرجسي فيما يتعلق بقضايا المنطقة كالقضية الفلسطينية وفكرة المقاومة والاحتلال الصهيوني وحرب الإبادة على غزة وغيرها. وإذ يتبنّى هؤلاء السردية الغربية لما يحدث، إلا أن هناك من يقابلهم من مؤيدين لقضايا الناس المحقة وهم كُثُر ويتزايدون يوماً بعد آخر.
لكن ما يلفت الانتباه هم بعض أبناء المنطقة الذين سخّروا أنفسهم طواعية لخدمة العدو والتماهي مع ما يتناسب مع الدعاية الصهيونية الهادفة إلى كسر وتفتيت جبهة التضامن العالمي مع فلسطين. يصدرون أنفسهم كنشطاء ونخب... وغيرها من المسمّيات، يظن هؤلاء أنهم جزء من الصورة الكبرى التي يحاول «نرسيس» الغرب تصديرها عن نفسه، ولكنهم ينسون أو يتناسون أنهم ليسوا سوى أدوات سيجري رميها بعد انتهاء صلاحيتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1196