أعيادنا وأعيادهم!
تتمثل فرحة العيد عند الأمهات بفرحة أطفالها ورؤيتهم سعداء. وإسعاد طفل ليس بصعب ولا عسير، فهو يسعد بأشياء بسيطة، قد تكون قطعة لباس جديدة أو لعبة أو قطعة حلوى.
في ساحة المحافظة في قلب العاصمة دمشق وأمام تمثال يوسف العظمة باسطاً سيفه على جنبه، وقبل نهاية شهر رمضان بأيام قليلة، يقف عشرات من المعثرين من أصحاب الرواتب القائمين على رأس عملهم أو المتقاعدين أمام ثلاثة «صرافات» من أصل أكثر من عشرة داخل المركز الرئيسي للمصرف العقاري يريدون سحب الليرات المتبقية في حساباتهم، فالعيد قادم. لم يكن تجمعهم في طوابير طويلة أمام كوة الصرافات الثلاثة إلا لأن البقية معطلة وخارج الخدمة!
يخرج عجوز متقاعد إلى الخارج يميناً حيث يوجد صرافات أخرى على بعد أمتار من الشارع الموازي ليهرب من الزحام، فصحته لا تسمح له بالوقوف طويلاً، ليجدها أيضاً معطلة وخارج الخدمة، وقد سبقه إليها بضعة رجال في مثل حاله، يتأففون. يسألهم الرجل حائراً: «خير شو صاير كمان هون ما في؟» فيرد عليه أحدهم غاضباً: «لأنهم يريدون لنا الذل. لم يكفهم ما وصلنا إليه من القهر، يريدون إذلالنا أكثر، لنذوق ذلهم لنا على أصوله».
أمام البسطات في الشوارع، تقف الأمهات حائرات! بعضهن لم يشترين لأنفسهنّ شيئاً منذ سنوات، ولكن لا تستطيع أمٌّ مقاومة طلبات أطفالها المستمرة، على بساطتها، والحال ذاته يتكرر مع الآباء الذين يقفون عاجزين أمام زوجاتهم وأبنائهم. في مكان آخر من مدينة دمشق ذاتها، تدخل امرأة ملونة بثيابها وصباغات وجهها، تطلب بعض «النقرشات» للطفل الذي ينتظرها في سيارة فارهة. كم ثمنها؟ يرد البائع بعد أن يحصي أكياس الشبس والبسكوت والشكولاتة: «350 ألف ليرة» تناوله المرأة رزمة نقود من حقيبتها المنتفخة وتغادر. ثمة امرأة أخرى تراقب المشهد باندهاش أولاً، تحوَّلَ إلى حنق وانزعاج تالياً، فالمبلغ الذي جرى دفعه ثمناً «لنقرشات» هو أكثر من ثلثي راتبها في الدولة التي خدمتها ما يقارب 28 عاماً ولا تزال.
تمر الغالبية العظمى من السوريين بشتى أنواع المفارقات يومياً، مؤكدة حالة الانقسام في المجتمع بين شريحتين، إحداهما غنية إلى حد التخمة والثانية فقيرة إلى حد الجوع، ووصولها إلى أقصى درجاته وأشدها «سوريالية»، انقسام تتضح معالمه وتجلياته في كل مظاهر الحياة، فلا بيوتنا مثل بيوتهم ولا أعيادنا مثل أعيادهم ولا أفراحنا مثل أفراحهم... تتحول مشاعر الدهشة والمقارنة الناتجة عن هذه المفارقات شيئاً فشيئاً إلى غضب لا يستكين.
ثمة عيد قادم لا محالة، عيد يخصنا نحن الغالبية العظمى من الشعب السوري، عيد نستحقه وحياة لائقة بنا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1169