أجمل الأمهات!
ثمة ثقب في الروح لا يمكن لأي علاج أن يشفيه، فليس أصعب على الإنسان رجلاً كان أو امرأة من أن يخطف الموت طفله منه أمام عينيه، وكلنا أطفال بعيون أمهاتنا وآبائنا مهما كان السنّ الذي بلغناه.
نحتفل بعيد الأم هنا، بينما تنقل لنا الصور ومقاطع الفيديو القادمة من هناك مشاهد الأمهات الفلسطينيات، يتنقلن بين جثث أطفالهن، تحتضن أم جثمان طفلها وعيونها تنزف حزناً لا طاقة لبشر بتحمله، ولا نملك نحن هنا سوى أن نخفض عيوننا خجلاً أمامها.
في غزة ثمة وجوه تشبه وجوهنا، وأمهات يشبهن أمهاتنا، وأطفال يشبهون أطفالنا، ثمة شعور إنساني يجمعنا، شعور بالخوف من الموت لأنه يناقض وجودنا، كيفما كان، وهو بالحرب أكثر تواجداً وأكثر بشاعة، وهو ما يجعل من الحرب تهديداً للحياة، ولذلك تنجب الأمهات الأبناء لأنهن مدفوعات بميل لتحدي الموت ولاستمرار الحياة، فالأم التي تحتضن أشلاء ولدها ممزقاً تحت الحطام، لا تعرف سوى التحدي من أجل البقاء.
لم يسرق أولئك الصهاينة القادمون من وراء البحار بيوت الفلسطينيين وأرضهم فقط بل سرقوا حقهم في الحياة، مستهدفين الأطفال في كل مرة، ليس لأنهم نقطة ضعف فقط ويعتقدون أنه يمكن من خلالها اغتيال المعنويات والقدرة على المقاومة، بل يعتقدون أنهم بذلك يمكن أن يسلبوا الفلسطيني بقاءه ووجوده.
تكثّف القصائد المشاعر والأحاسيس، وترسم لها صوراً، وتجعلها مرئية. وتكثّف الحروب وعياً وإدراكاً كافياً لاتخاذ موقف أو تثبيته. في قصيدة محمود درويش «أجمل الأمهات، عيونها لا تنام، وتظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام…»، ثمة تكثيف لفكرة البطولة، حيث تتكرس البطولة عند الأمهات الفلسطينيات بالفداء والاستشهاد، فتبكي «دمعتين ووردة» ولا «تنزوِي في ثياب الحداد»، في محاولة مستمرة لخلق الحياة من رحم الموت، ثمة تكثيف أيضاً لموقف الفلسطيني ككل من الحياة قبل الموت، تؤكدها كلمات بسيطة وواضحة «لن نتراجع عن دمه المتقدّم في الأرض، لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه، فاكتست شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول» وتثبيت لحالة صمود أسطوري مستمر منذ عقود: «صامدون هنا، قرب هذا الدمار العظيم».
جاء طوفان الأقصى كاستمرار للمقاومة التي حضرت بحضور الاحتلال والمحتل، واستمرت واستمر أبناؤها الذين تفتّح وعيهم باكراً من خلال معايشة الاحتلال ومجازره وجرائمه، عاشوا طفولتهم بين حرب وأخرى، وحطموا كل أوهام العاجزين والقائلين بإمكانية التعايش مع المحتل، إنهم أبناء البطولة، وأمهاتهم وقود الحياة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1167