من وحي الطوابير!

وبنظرة سريعة إلى ما يحدث في بلادنا كجزء من العالم، أو كمثال مصغر على ما يجري في هذا الكوكب، سيجد أي عاقل أن وقت الحلول الجذرية ينضج شيئاً فشيئاً، وأنه أيضاً لم يعد بالإمكان الاستمرار على الوضع الراهن.

دمشق «المعجوقة» دائماً

حياة الإنسان مهدورة، وعمره أيضاً، يقضي السوري عمره في طوابير مختلفة، تبدأ بطابور الخبز ولا تنتهي بطابور انتظار السرفيس عائداً إلى البيت، ومكرراً رحلته اليومية صباحاً. في مناطق تجمع وسائل النقل المختلفة في دمشق وحتى في أريافها، يقف الناس منتظرين ساعة الفرج وقدوم أي وسيلة يمكن أن تحملهم إلى وجهتهم. والمعاناة يتحملها الكبار والصغار، لا تميز بين عجوز وشاب، امرأة ورجل. تحشر امرأة ممتلئة الجسم نفسها في المجال الضيق أصلاً بعد ساعة من الانتظار والركض المتواصل بين السرافيس، لا يلومها أحد على وقفتها اللاهثة تلك، ولا يستطيع أحد تقديم المساعدة أيضاً بسبب ضيق المكان المحشور بالناس بحيث يغدو حتى التنفس صعباً فضلاً عن الحركة. وهذا الأمر لم يتغير منذ سنوات، فدمشق تعاني من أزمة السير قبل الأزمة بسنوات، ولكن الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد آخر.

طوابير الموت البطيء

بانتظار الحصول على ربطة خبز يقضي الناس بالمتوسط ساعتين وقوفاً في طابور الذل، ينهشهم إحساس قاتل بالقهر لأنه «الخبز» الذي لا يمكن العيش بدونه، في بلد يعرف ناسه أنه «بلد زراعي» والقمح كان من أهم منتجاته. وكذا في طابور الحصول على الغاز أو المازوت أو توقيع ورقة ما في إحدى مؤسسات الدولة.. إلخ.
لو قُدّر للعمر أن يقاس بطريقة أخرى، كم ربطة خبز يساوي عمرك؟ أو كم أسطوانة غاز؟ أو كم لتير مازوت.. إلخ؟ سنحتاج كثيراً من الصبر لنحسب كم غصة وكم ضحكة ساخرة على النكتة المضحكة المبكية، ضحكة على البلوى أملاً في تخفيف المصيبة.
يخفق في الصدور غضب صامت، مع كل «ضربة» جديدة يتلقاها، تتضّح حقيقة من يريد الاستفراد بالناس من خلال تجريدهم من كل ما يمنحهم القوة والمنعة والحقوق. ولكن الشمس في النهاية ستشرق مهما طال الليل.